ليس لدينا الوقت للجلوس بينما يحترق كوكبنا. بالنسبة للشباب، يُعد تغير المناخ أهم من الانتخابات أو إعادة الانتخاب
إنها حياة أو موت.. هذا ما قالته ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، سياسية وناشطة أمريكية
وهي تعبر عن انزعاجها من حالة التغير المناخي وتأثيراتها على سكان العالم أجمع ، وبخاصة الفقراء منه .
فقد تكون ممارسات دول العالم المتقدم في ضوء سياسات المناخ، مجحفة في حق دول الجنوب الفقيرة
حيث تتخذ الدول المتقدمة من التغيرات المناخية ذريعة لإبقاء الدول الفقيرة أكثر اعتمادًا عليها.
كما أنَّ حظر تمويل مشروعات الغاز في بعض الدول النامية، مثل: إفريقيا جنوب الصحراء
سيحول دون تحقيق التنمية الاقتصادية، ورفع مستويات المعيشة في تلك الدول، بالنظر إلى أنَّ الغاز الطبيعي -كمصدر
منخفض التكلفة- أقل تلويثًا للبيئة مقارنة بمصادر أخرى يضطر مواطنو هذه الدول إلى استخدامها، مثل: الفحم.
ومن المفارقات أنَّ دول العالم المتقدم هي السبب الرئيس في زيادة الانبعاثات الكربونية، ومع ذلك
فإنها تحت ذريعة “العدالة المناخية”، تضع قيودًا كبيرة على الدول الفقيرة بدعوى المحافظة على فقراء العالم
الذين باتوا أكثر عرضة لمخاطر التغيرات المناخية.
وكشفت قضية تغير المناخ عن ازدواجية كبيرة في معايير الدول المتقدمة بشان سياسات المناخ، فعلى سبيل المثال
وضع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أهدافًا سامية للوصول إلى الحياد الكربوني
لكنه في المقابل دعا موردي الطاقة الرئيسين إلى زيادة الإنتاج لتلبية الطلب الأمريكي على النفط.
هذا وقد أعلن تحالف “جلاسكو” المالي من أجل صافي انبعاثات صفرية أنهم سيحاولون خفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050
وهو تحالف يرأسه بشكل مشترك مارك كارني، المحافظ السابق لبنك إنجلترا، ويمتلك أعضاؤه
الذين يشملون مالكي الأصول ومديري البنوك، نحو 130 تريليون دولار من الأصول.
وعلى الرغم من أن الصناعة المالية لها دور كبير في إبطاء التغير المناخي، فإنه بحلول عام 2030
ستكون هناك حاجة إلى نحو 4 تريليونات دولار من الاستثمار في الطاقة النظيفة كل عام، أي ثلاثة أضعاف المستويات الحالية.
فضلًا عن ذلك، تشكل الشركات التي تسيطر عليها الدولة، مثل شركة “كول إنديا” الهندية، أو شركة “أرامكو” السعودية
الجزء الأكبر من أزمة الانبعاثات، وتلك الشركات لا تعمل تحت سيطرة المصرفيين من القطاع الخاص.
اتصالًا، لا توجد حتى الآن طريقة لتقييم البصمة الكربونية بدقة دون الحساب المزدوج
كما أن الشركات المالية الخاصة تهدف إلى تعظيم الأرباح المعدلة حسب المخاطر لعملائها ومالكيها، وهذا لا يتماشى مع هدف خفض الكربون.
من ناحية أخرى دعمت معظم الدول النامية في العالم مطلبًا رئيسًا من الدول المتقدمة
مفاده ضرورة توجيه ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار أمريكي إلى الأولى سنويًا بدءًا من عام 2030؛ لتمويل خطط مواجهة التغير المناخي
وذلك في إطار أحد أكثر موضوعات التفاوض إثارة للجدل في قمة المناخ الدولية “كوب 26” التي عقدت في “جلاسكو” مؤخرا
ويُعدُّ ذلك شرطًا للدول النامية كي تمضي قُدمًا في مشروعات الحد من التغيُّر المُناخي.
وشملت تلك الدول، دولًا إفريقية ومجموعة أخرى من البلدان متشابهة التفكير، والتي تضم الصين، والهند، وإندونيسيا؛ حيث أكَّدت تلك الدول في وثيقة قدمتها إلى الأمم المتحدة إبان القمة أن نصف التمويل يجب أن يذهب إلى مشروعات الطاقة المتجددة في العالم النامي، والنصف الآخر يتم تخصيصه لحماية تلك البلدان من آثار التغير المناخي، لا سيّما الاحتباس الحراري.
وفي مصر، يؤدي التعداد الضخم للسكان إلى تأثر البلاد بدرجة كبيرة بتغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، فإن دلتا النيل المكتظة بالسكان مهددة بشكل خطير بارتفاع مستوى سطح البحر؛ حيث سيكون لتغير المناخ تأثيره أيضًا على صحة المواطنين. لذا تم إجراء دراسات تقييم الضعف في القطاعات ذات الأولوية كجزء من عملية تطوير خطة العمل الوطنية. وأشارت الدراسات إلى أن المجالات التالية هي الأكثر عرضة للخطر من حيث الآثار الخطيرة: الزراعة، والمناطق الساحلية، والاستزراع المائي ومصايد الأسماك، والموارد المائية، والموائل والمستوطنات البشرية، وصحة الإنسان.
وفي إطار جهود الدولة المصرية للتصدي للتغير المناخي وآثاره السلبية، فقد تمكنت مصر من الحصول على جزء صغير من تمويل المناخ (100 مليار) بالمشروعات القومية المنفذة، وباقي المشروعات عبارة عن مبادرات وطنية كإحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، و«حياة كريمة» و«تبطين الترع» و«إعادة استخدام المياه» ومحطات الصرف الصحي. لذا فإن هناك حاجة ماسة إلى التكيف في البلدان النامية، ومن المحتمل أن تصل التكاليف لمواجهة تلك الظاهرة إلى مليارات الدولارات سنويًّا.
لذلك طالبت دول نامية يتجاوز عددها الـ 100، بِعدد من المتطلبات، لأن الدول الأكثر فقرًا ستكون في واجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية، ومن أبرز هذه المتطلبات:
تقديم الدول الغنية تمويلًا لمساعدة ودعم الدول الفقيرة؛ للتصدي للتغير المناخي، والتعويض عما يسببه التغير المناخي من أضرار، وتوفير تمويل لمشروعات اقتصادية صديقة للبيئة.
أخيرًا، فإن التغيرات المناخية التي تُشكل تهديدًا لمستقبل الدول بوجه عام تتطلب تضافر قوى وجهود حقيقية من قِبل الجميع بدءًا من البلدان الصغيرة (الجزر) انتقالًا إلى البلدان النامية وأخيرًا البلدان المتقدمة، وذلك من خلال تحول البلدان المتقدمة إلى التوسع في استخدام الطاقة النظيفة، والتخلي عن الطاقة النووية والإشعاعية، والحد من إزالة الغابات وتجريم فعلها، وكذلك التوسع في إعادة تدوير النفايات، ومساعدة الدول النامية في اتباع سياسات الاقتصاد الأخضر، وهو بدوره سيقوم بالتقليل من الآثار المحتملة للتغيرات المناخية وتأثيراتها المزدوجة على الاقتصادات والمجتمعات المختلفة.