متابعة : علا هويدي .
كان الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز، ثامن الخلفاء الامويين ، وخامس الخلفاء الراشدين، مضرب الأمثال في ورعه وتقواه وعدله .
ولد عام 61هـ و توفي عام 101هـ، عندما بلغ من العمر اربعون عاما .
والده : هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم ، أمير مصر أكثر من عشرين سنة.
ووالدته : ليلى بنت عاصم حفيدة الصحابي و الخليفة العادل عمر بن الخطاب .
نشأ بالمدينة المنورة ، فتأثر بمجتمع الصحابة و أحب طلب العلم ، و تربى على أيدي كبار علماء المدينة و بلغوا اكثر من ثلاثون .
وصفه الإمام الذهبي بأنه ” الخليفة الراشد ، الإمام الحافظ ، العلامة المجتهد ، الزاهد العابد، أمير المؤمنين »،
و عندما توفي والد عمر بن عبد العزيز أخذه عمه الخليفة عبد الملك بن مروان، فخلطه بولده، وقدمه على كثير منهم، وزوجه ابنته فاطمة بنت عبد الملك،
قيل عنها: «لا نعرف امرأة بهذه الصفات إلى يومنا هذا سواها»، وقد ولدت له إسحاق ويعقوب وموسى .
فهي بنت الخليفة عبد الملك بن مروان ، و جدها الخليفة مروان بن الحكم ، وهي أخت الخلفاء: الوليد بن عبد الملك ، و سليمان بن عبد الملك ، و يزيد بن عبد الملك ، و هشام بن عبد الملك ، و زوجها الخليفة عمر بن عبد العزيز … فهل مثل ذلك مثل .
ففي عام 87 من الهجرة ، تولي إمارة ا لمدينة المنورة و الطائف ثم واليًا علي الحجاز .
و كان عمر رجلاً أسمر رقيق الوجه أحسنه، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، خطه الشيب .
بجبهته أثر نفحة دابة ، لذا لقب بـ( أشجّ بني مروان ) ؛ وذلك لأنه عندما كان صغيراً دخل إلى اصطبل أبيه ليرى الخيل، فضربه فرس في وجهه فشجّه، فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول: «إن كنت أشج بني أمية إنك إذاً لسعيد»،
ولما رأى أخوه الأثر قال: «الله أكبر! هذا أشج بني مروان الذي يملك». فكلاهما تفاءل لعله أن يكون ذلك الأشج الذي يملأ الأرض عدل ، وذلك لأن جده لأمه الصحابي الخليفة عمر بن الخطاب كان يقول: «إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً» .
فقد رأى عمر بن الخطاب رؤيا تشير إلى ذلك، وقد تكررت هذه الرؤيا لغير عمر حتى أصبح الأمر مشهوراً عند الناس،
وقال فيه الذهبي : «كان إماماً فقيهاً مجتهداً، عارفاً بالسنن، كبير الشأن، حافظاً، قانتاً لله أوَّاهاً منيباً، يعد في حسن السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمه عمر بن الخطاب، وفي الزهد مع الحسن البصري ، وفي العلم مع الزهري »
ويرى بعضهم أنه هو المجدد الأول في الإسلام،فقد قال صلي الله عليه و سلم : «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها دينها» فكان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى .
و قد كان لعمر بن عبد العزيز أثر كبير في توجيه سياسات الكثير من الخلفاء بالنصح و الارشاد و الرأي الصائب و المشورة .
لذا فقد اتخذه الخليفة سليمان بن عبد الملك وزيرًا ومستشارًا ثم ولي عهد له ، ليتولي عمر الخلافة بعد وفاته لمدة سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام .
و برغم صغر مدة خلافته إلا أنها تميزت بإنتشار العدل ، و المساواة ، و الشوري ، و رفع الظلم ، وعزل الولاة الظالمين ، ورد المظالم، و نشر العلم بين الرعية ، و الأهتمام بالعلوم الشرعية، و تدوين الحديث و بإقامة الصلاة في وقتها ، ورد حقوق آل بيت رسول الله ، و دفع الرواتب للعلماء ليتفرغوا للعلم .
و من أقواله :
«أعجب مني من عرف الله فعصاه، ومن عرف الشيطان فأطاعه».
« أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
«إن الله بعث محمداً داعياً ولم يبعثه جابياً»
«أنثروا القمحَ على رؤوسِ الجبال لكي لا يُقال: جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين» .
واختلفت الروايات على مقدار تركة عمر بن عبد العزيز حين توفي، ولكن الروايات متفقة على قلة التركة أو انعدامها … قال إبن الجوزي: بلغني أن المنصور قال لعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق : «عظني»،
قال: «مات عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وخلف أحد عشر ابناً، وبلغت تركته سبعة عشر ديناراً كفن منها بخمسة دنانير، وثمن موضع قبره ديناران، وقسم الباقي على بنيه، وأصاب كل واحد من ولده تسعة عشر درهماً. ومات هشام بن عبد الملك وخلف أحد عشر ابناً، فقسمت تركته، وأصاب كل واحد من تركته ألف ألف، ورأيت رجلاً من ولد عمر بن عبد العزيز قد حَمَلَ في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله عز وجل، ورأيت رجلاً من ولد هشام يُتصدق عليه».
و من بعض الروايات عن المسيحيين الذين عاصروا عمر بن عبد العزيز ما قاله الأوزاعي : شهدت جنازة عمر بن عبد العزيز، ثم خرجت أريد مدينة ( قنسرين ) فمررت على راهب فقال: «يا هذا، أحسبك شهدت وفاة هذا الرجل» أي عمر بن عبد العزيز، فقلت له: «نعم»، فأرخى عينيه فبكى سجاماً، فقلت له: «ما يبكيك ولست من أهل دينه؟»، فقال: «إني لست أبكي عليه، ولكن أبكي على نور كان في الأرض فطفئ» .
رحم الله الخليفة الزاهد العابد ،،،
اللهم أصلح عبادك … و ردنا إليك ردا جميلا …