
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع السرقة والمال العام، أما الذي يلتزم حدود الله في وظيفته، ويأنف من خيانة الواجب الذي طوقه فهو عند الله من المجاهدين لنصرة دينه وأعلا كلمته، فقال صلى الله عليه وسلم “العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق، لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته” رواه الطبراني، وقد شدد الإسلام في ضرورة التعفف عن استغلال المنصب، وشدد في رفض المكاسب المشبوهة، فعن عدي بن عمير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوق كان غلولا يأتي به يوم القيامة” رواه مسلم، إنه الحفاظ على المال العام، إنه الحرص على المال الذي يشارك فيه الفقير والمسكين.
والضعيف واليتيم والأرملة، انه الأمر الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم “أحرج حق الضعيفين، الأرملة والمسكين” والأمانة تدعو إلى رعاية الحقوق، وتعظيم النفس واحترام الناس ولا تكون إلا إذا استقرت في وجدان المرء وحافظ عليها، فهذه هى يعض صفات الأمانة التي نحتاج إحياءها وتمثلها في مجتمعنا ومسئولياتنا، وهي قضية ضخمة، لا يستطيع حملها الرجال المهازيل، وقد ضرب الله المثل لضخامتها، فأبان أنها تثقل كاهل الوجود كله، فلا ينبغي للإنسان أن يستهين بها، أو يفرط في حقها، ومع كل ذلك فقد تحملها الإنسان، فالواجب على كل مسلم القيام بحق الأمانة وحملها كما أمر الله تعالى ومراقبة الله في كل تكليف تحمله أو مسئولية أنيطت به أو مال دخل في حوزته.
والواجب أيضا التعاون على البر والتقوى في القيام بها ومن ذلك إبلاغ الجهات المختصة عن مراقبة المال والشأن العام عن أي سرقات أو تجاوزات أو استغلال لمنصب أو استلام لمشاريع خلافا للعقود المبرمة، فاتقوا الله تعالى، واتقوا الله فإن فمن اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله جلّ وعلا عز لصاحبها وتمكين له ورفعة في الدنيا والآخرة، والعاقبة دائما وأبدا لأهل التقوى، ثم اعلموا أن الأمانةَ مسؤولية عظيمة وواجب كبير تحمّلها الإنسان وتحمّل تبعتها في هذه الحياة، فالإنسان عبد مؤتمن أوجده الله من العدم وخلقه بعد أن لم يكن، وعرض عليه الأمانة فقبلها، قبلها مع تبعاتها وما فيها من مسؤولية عظيمة وتبعة كبيرة.
فإن الأمانة شأنها عظيم ومكانتها من الدين جليلة، والواجب على عباد الله أن يرعوا للأمانة حقها وأن يعرفوا لها مكانتها وأن يعتنوا بها غاية العناية ويهتموا بها غاية الاهتمام، وقد تكاثرت الأدلة في كتاب الله، والأحاديث في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تعظيم الأمانة وتعلية شأنها ورفع قدرها وبيان ما يترتب عليها في الدنيا والعقبى، من ثواب لمن حفظها وحافظ عليها، وعقاب لمن أهملها وفرّط فيها، فالعقبى الحميدة والنهاية الرشيدة هي لمن يُوفي الأمانة حقها ويرعى لها مكانتها، ثم إن الله عز وجل ذكر إضاعة الأمانة في صفات اليهود، وذكر النبى عليه الصلاة والسلام عدم الوفاء بالأمانة، من صفات أهل النفاق ففي الحديث الصحيح.
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان” وذكر عليه الصلاة والسلام، أن الأمانة من الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي وغيره “لا إيمان لمن لا أمانة له ” وهذا الحديث يدلنا على عظم شأن الأمانة وأن الأمانة من الإيمان، فكلما زاد العبد أمانة ومحافظة على الأمانة زاد إيمانه، وكلما نقص من الأمانة نقص إيمانه بحسب ذلك، وإن من آيات القرآن العظيمة المبينة لعظم شأن الأمانة وجلالة قدرها ورفعة شأنها فيقول الله عز وجل في آخر سورة الأحزاب “إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا”