متابعة : سوزان مصطفى
الشفرة النوبية وكيف كان دورها في تأمين الإتصالات العسكرية و الحربية في
حرب أكتوبر المجيدة.
تم تقييد الجندي المصري، أحمد إدريس، بالأغلال بأمر من الرئيس الراحل محمد
أنور السادات بعد أن طلب إحضاره بشكل مفاجئ إلى مكتبه دون سابق إنذار.
تخيل إدريس أنه موجه إليه انتهاكاً بالجاسوسية، ولا سيما أن هذا المشهد يأتي
في ظروف صعبة، في سنوات ما بعد احتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء، عندما
اخترقت إسرائيل الاتصالات المصرية أكثر من مرة .
وكما يقول أحمد إدريس في فيلم تسجيلي أنتجته القوات المسلحة المصرية باسم
“الشفرة” بعدها بنحو 45 عامًا: “وجدت السادات يضع يده على كتفي بطريقة
حانية كالآباء وأخبرني أنه جاء بي بتلك الطريقة حتى لا ينكشف أمر المقابلة. ثم
سألني عن اللغة النوبية” وطلب معلومات كثيرة عنها.
أحمد إدريس الجندي المصري السابق الذي وافته المنية عن عمر ناهز 84 عامًا هو
من كان صاحب فكرة استخدام اللهجة النوبية في الإشارات العسكرية بين أفراد
الجيش المصري، للحفاظ على سرية المعلومات، لأن اللغة النوبية لم تكن شائعة
الاستخدام كما أنها غير مكتوبة..
وأضاف إدريس: “أخبرت السادات، أنه يمكننا إرسال المعلومات بالنوبية، ثم
ندونها باللغة العربية” بعد ذلك .
ماهي اللغة النوبية؟
النوبية.. هي لغة قبائل النوبة التي تنتشر بصفة رئيسية في مصر والسودان
بالإضافة إلى عدة دول أفريقية، وهي لهجة للحديث لكنها لا تُكتب ولا تُقرأ، وتمتد
جذورها إلى آلاف السنين كما تعد من أقدم اللغات على الأرض.
بعد ذلك أمر السادات بعد مقابلته مع إدريس بنشر 344 فردًا نوبيًا من الجيش
المصري مع القادة لاستقبال الإشارات وإرسالها، وكان لذلك دور كبير في تأمين
الإتصالات العسكرية في الحرب التي شنتها القوات المصرية إلى جانب القوات
السورية ضد إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973.
وكانت حرب أكتوبر ردًا على حرب الأيام الستة التي مُني بها الجيشان في مصر
وسوريا عام 1967، واحتلت نتيجتها إسرائيل شبه جزيرة سيناء في مصر
وهضبة الجولان في سوريا، واستولت على الضفة الغربية من الأردن فيما تسميه
الأدبيات العربية بالنكسة.
شرح الخبير العسكري صفوت الزيات تفاصيل مادار بشأن استخدام اللغة النوبية
كشفرة للجنود والتبادل الأتصال بين القيادات. وذكر أن استخدام النوبية في
1973 بين مركز العمليات الرئيسي ومراكز العمليات الميدانية كان عاملًا مهمًا في
إفشال اختراق الطرف الإسرائيلي لمعرفة نوايا الهجوم المصري وشكله واتجاهاته
وتوقيته.
واكمل الزيات كلامه قائلا ً: أن الهم الأكبر لمصر كان تأمين شبكة الاتصالات بين
مركز العمليات وقيادات الجيوش والمناطق في الميدان، خاصة مع اختراقات
الإسرائيليين للإشارات ومعرفتهم بالعربية.
فاللغة الآن مهددة بالإندثار لقلة استخدامها، ويعمل متطوعون على حفظ تراث
النوبة ولغتها برغم الدور الذي لعبته النوبية في الحفاظ على أسرار حربية مصرية.
وتحدث رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية، محمد عز الدين، إن كل جهود
تعليم النوبية لم تثمر بما فيه الكفاية لأنها تستهدف الكبار الذين لم يتعودوا على
التحدث بالنوبية في المنازل وشتى مناحي الحياة”.
ويشير رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية أنه لا توجد مراكز لتعليم اللغة
النوبية للشرائح العمرية الصغيرة .
ويوضح عز الدين أن التراكمات الثقافية من الدول التي وفدت إلى مصر، مثل
اللغة العربية التي فرضت نفسها، جعلت الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية
باللغة العربية على حساب اللغات الأخرى مثل الأمازيغية والقبطية والنوبية.
وقبل سنوات ابتكر مهتمون بالحفاظ على التراث النوبي فكرة لتدوين كلمات اللغة
النوبية في قاموس خاص.
ولا توجد إحصاءات رسمية عن النوبيين في مصر، غير أن باحثين في التراث
النوبي قدروا العدد بأكثر من ثلاثة ملايين.