بقلم د/ حنان عبد القادر محمد
يُشَكِّل العِلم اليوم جُزْءًا كبيرًا مما نَعرفه عن العالم، وخاصة بعد التطور التقني الهائل وتدفق المعلومات بِشكل مُتَسَارِع.
فاكتساب المعارف العامة والخاصة التي تُشَكِّل إطار الخِبرة الإنسانية تم اكتسابها على مدار التاريخ بِشكل تراكمي.
وهذه المعارف يكتسبها الفرد من خِلال مُلَاحَظَة الأشياء والموجودات، والتأمل فيما وراء وجود الأشياء وحركتها،
أو نتائج التجريب الذي يقوم به الإنسان بِنفسه لتأكيد اعتقاده أو اَلرَّبْط بين الأشياء والموجودات، ومِن هُنَا جاءت
اَلْعَلَاقَة بين المفاهيم العلمية والمنهجية اَلْمُخْتَلِفَة التي تعكس تصور الإنسان لِمُسْتَوَيَات بِناء المعرفة
وَالْعَلَاقَات بينها وبين الحقائق الثابتة. وَتُفَسِّر عملية التنظيم
العلاقة بين المعرفة والعِلم ووصولاً للمعرفة العلمية في تِكْنُولُوجْيَا التعليم، وهي شكل من أشكال المعرفة يتجاوز مُلَاحَظَة
الظواهر الموجودة. فهو استحداث
أنظمة أو أدوات تِكْنُولُوجِيَّة جديدة وحل اَلْمُشْكِلَات أو الاحتياجات من خلالها. فالمعرفة اَلتِّكْنُولُوجِيَّة ليست مُجَرَّد تطبيق المعرفة
العلمية فَهُنَاكَ أعمال بشرية
مُعَقَّدَة للغاية تُنْسَب إلى عملية تِكْنُولُوجِيَّة، ولكن استحداثها لم يكن مدعومًا بالنظريات العلمية.
وَهُنَا يجب أن نُفَرِّق بين العِلم والمعرفة والمعرفة اَلتِّكْنُولُوجِيَّة، فالعِلم هو تراكم المعرفة اَلْمُنَظَّم للعلاقات بين الحقائق والظواهر
اَلْمُخْتَلِفَة، فهو مجموعة الحقائق
والوقائع والنظريات ومناهج البحث التي تزخر بها المؤلفات العِلمية. فهو نسق المعارف العلمية اَلْمُتَرَاكِمَة،
مجموعة المبادئ والقواعد التي تشرح بعض
الظواهر والعلاقات القائمة بينها. إذًا العِلم هو فَرع من الدراسة الذي يلتزم بكيان مُتَرَابِط مِن الحقائق الثابتة اَلْمُصَنَّفَة،
التي تحكمها قوانين عامة، تحتوي على
طُرُق ومناهج ثابتة مُتَّفِق عليها، لاكتشاف الحقائق الجديدة في نِطاق هذه الدراسة، وعليه فإن الهدف الرئيسي للعِلم
هو التعبير عن العلاقات القائمة بين الظواهر
التي يدرسها الإنسان من أجل التعرف على جوهرها وطبيعتها
أما المعرفة فهي الإدراك، وفَهم الحقائق من خِلال التفكير اَلْمُجَرَّد، أو من خِلال اكتساب المعلومة عَبر التجارب أو الخِبرات،
أو التأمّل في مَكْنُونَات الأمور،
أو التأمّل في الذات، أو اَلْإِطْلَاع على تجربة الآخر وقراءة استنتاجاته، وترتبط المعرفة بالبديهة، وكشف المجهول،
والتطورات التقنية، وبمعنى آخر هي تراكم
الخِبرات الإنسانية للعلاقات بين الأشياء والموجودات في حياة الإنسان وهي تتحول إلى حقائق عِندما يَعِيها من خِلال الأساليب
اَلْمُخْتَلِفَة، فالوعي الحسي
أو المادي يتم من خلال اَلْمُلَاحَظَة وَالْمُعَايَشَة لحقائق اَلْوُجُود الفعلي وعلاقاته. وقد يَصل الإنسان إلى هذه الحقائق
من خِلال البحث أو التجريب والوصف،
ويتم تصنيف أنواع المعرفة من خِلال طُرق الاقتراب منها واكتسابها فَهُنَاكَ المعرفة الحِسية التي تتم نتيجة اَلْمُلَاحَظَة
وَالْمُشَاهَدَة وَالْمُعَايَشَة
مع الحقائق اَلْمُخْتَلِفَة. والمعرفة الفلسفية التي تتم من خِلال التأمل أو التحليل العقلي. والمعرفة العلمية التي تتم من خلال التجريب
والمنهج العلمي.
ونتيجة لارتباط المعرفة العلمية في تِكْنُولُوجْيَا التعليم بالتغير اَلْمُسْتَمِرّ في تِكْنُولُوجْيَا الاتصال والمعلومات والتغير في التقنيات
السمعية والبصرية وتطوير
اَلْمُثِيرَات التعليمية، فإن نتائج اَلْمُلَاحَظَة والتجريب تَمِيل هي الأخرى إلى التغير. على الرغم من اعتماد البِناء النظري لِتِكْنُولُوجْيَا
التعليم على نظريات راسخة
في الاتصال وعلم النفس. فالمعرفة العلمية لِتِكْنُولُوجْيَا التعليم على الرغم من حداثتها إلا أنها تتميز بالتغير اَلسَّرِيع الذي يُؤَثِّر
في بِناء النظرية والتطبيق، بِجانب
أن اعتمادها على العَديد من العلوم التربوية والنفسية في تقرير النتائج وتفسيرها جعل جزءاً كبيراً من هذه المعرفة يرتبط بهذه
العلوم ويتأثر ببناياتها الفكرية
والتطبيقية، ولم تستقل هذه المعرفة بعد بنظريات عِلمية مُسْتَقِلَّة تكون سياقاً للبحث والتجريب العلمي.
ولذلك فإن الكثير من اَلْجُهُود العِلمية يتطلبها هذا
التخصص لبِناء نظريات مُسْتَقِلَّة تتفق مع خصائص العِلم ومجالاته وأهدافه.
وتعمل تِكْنُولُوجْيَا التعليم على تنظيم العملية التعليمية، وَتُوَفِّر العديد من الفوائد إلى التعليم، وكذلك تُسَهِّل عملية الاتصال والتواصل فيما بين المعلم والطلاب
وَتُتِيح لهم سُبُل التعاون، وكذلك اَلْمُسَاهَمَة في استيعاب زيادة اَلْمُتَعَلِّمِينَ التي عجزت عن استيعابها اَلطُّرُق التقليدية للتعليم التي تحتاج إلى أبنية ومرافق إضافية.
كما ألغت تكنولوجيا التعليم جَميع العوائق الزمنية والمكانية التي كانت تعوق عدداً ممن يرغبون في استكمال تعليمهم. وباستخدام تِكْنُولُوجْيَا التعليم أصبح الطالب
هو مِحور العملية التعليمية التي استبدلت مشاركة الطالب بدلاً من الاقتصار على أسلوب التلقين. فمن خلالها انتشر مفهوم التعلم الذاتي والذي يعتمد بالأساس
على اَلْمُتَعَلِّم.
عزيزي القارئ يجب أن نضع في اعتبارنا جميعاً أن اعتماد التعليم على الوسائل التكنولوجية الحديثة لا يعنى إلغاء دور اَلْمُعَلِّم، فإذا كان اَلْمُتَعَلِّم يستطيع
أن يتلقى دروسه مُبَاشَرَة دون الحاجة إلى معلم الصف، عن طريق الاعتماد على اَلتِّكْنُولُوجْيَا، فإن ذلك لا يُمْكِن أن يُلْغِ دور اَلْمُعَلِّم وإنما غَير دوره فقط، فَالْمُعَلِّم
هو أحد العوامل المهمة لنجاح العملية التعليمية، ولا يزال هو الشخص الفعال الذي يُعَاوِن اَلْمُتَعَلِّم على التعلم اَلْمُسْتَمِرّ والتفوق في دراسته، أي إن نجاح العملية
التعليمية قد لا يتم إلا بمعاونة اَلْمُعَلِّم الذي يتصف بكفاءات خاصة، يتمتع برغبة في العلم وميل إليه، ومهمة القيادات التعليمية هي الاهتمام بِالْمُعَلِّمِ وتنمية قُدُرَاته
المهنية ليستطيع أن يُغِير دورة للأفضل بِنجَاح يعود على العملية التعليمية وعلى تقدم الدول وعلى العالم من خِلال إعداد جِيل من اَلطُّلَّاب قَادر على مُوَاكَبَة
عصر التطور. وللحديث بقية، ،
المعرفة و العِلم وارتباطها بتكنولوجيا التعليم