هدير فكري
رغم النجاحات التي حققتها “طالبان” وتزايد قوتها العسكرية، إلا أن مقاومة
تشكلت في “بنجشير”، المحافظة الوحيدة التي بقيت خارج سيطرتها، ما يشير إلى
احتمال اندلاع حرب أهلية مجددا.
ويرأس القوى المناهضة لطالبان، نائب رئيس الدولة السابق أمر الله صالح، وأحمد
مسعود، نجل القائد الميداني الراحل الشهير أحمد شاه مسعود، حيث أعلن الأخير
(الابن) أن أهالي المنطقة مستعدون لصد طالبان، ولن يسلموا المحافظة.
يشار إلى أن بنجشير هي واحدة من 34 محافظة أفغانية، ومعظم سكانها من
الطاجيك.
وتتميز المنطقة بأهميتها الاستراتيجية، وبوجود ممرات جبلية ملاءمة
تربط المناطق الجنوبية والشمالية من البلاد، فيما تجعل منها تضاريسها الوعرة
وروافدها النهرية قلعة حصينة للمقاومة.
ويمكنك الوصول إلى تلك المنطقة فقط من خلال ممر ضيق من منطقة شاريكار
في محافظة باروان المجاورة. وفي هذا المكان وجه خصوم الحركة أول ضربة
لطالبان، حيث استعادت وحدات صالح ومسعود في الأسبوع الماضي السيطرة
على شاريكار من مقاتلي طالبان، وسيطرت على الطريق المؤدي إلى الوادي
الجبلي العميق.
علاوة على ذلك، تمكن المقاتلون المعارضون لطالبان من قطع الطريق الاستراتيجي
عبر نفق سالانج، الذي يربط كابل بمزار شريف، أكبر مدينة في شمال أفغانستان.
هذه النجاحات العسكرية اعاقت بشكل خطير عمليات إمداد طالبان.
ويظهر أن بنجشير هي بمثابة “عظم” في حلق السلطات الجديدة في افغانستان.
ومع ذلك، لم تحاول طالبان حتى الآن اقتحام معقل المقاومة.
وذكر عباس جمعة، الخبير في شؤون أفغانستان والشرق الأوسط في تصريح
لوكالة نوفوستي أن “المقاتلين حذرون، لأنهم لا يعرفون ما هي القوى التي
تعارضهم”، لافتا إلى أن التحالف الشمالي (السابق) بقيادة أحمد شاه مسعود قبل
عشرين عاما وقف ضد طالبان، وكان يحظى بدعم دولي، فيما فرصة المقاومة
حاليا تعتمد على ما إذا سيحصل نجله على دعم دولي مماثل.
وكان أحمد مسعود الابن قد خاطب المجتمع الدولي، ودعا في رسالة نشرتها
صحيفة واشنطن بوست، إلى المساعدة بالأسلحة والذخائر والمعدات، مؤكدا أن
طالبان ليست مشكلة للشعب الأفغاني فقط، وأن المتطرفين يمكن أن يحولوا البلاد
إلى نقطة انطلاق رئيسة للإرهاب لمهاجمة الدول الديمقراطية.
وقال أحمد مسعود في هذا الشأن: “لقد غادرت الولايات المتحدة وحلفاؤها ساحة
المعركة، لكن لا يزال بإمكان أمريكا أن تصبح الترسانة العظيمة للديمقراطية، كما
قال فرانكلين روزفلت عندما جاء لمساعدة البريطانيين المحاصرين قبل دخول
الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. وتحقيقا لهذا الهدف، أناشد أصدقاء
أفغانستان في الغرب، في واشنطن ونيويورك، أن يدافعوا عنا، وأن يدافعوا عنا
في الكونغرس وإدارة بايدن، وأن يدافعوا عنا في لندن، حيث درست أنا، وفي
باريس، حيث تمت تسمية زقاق في الشانزليزيه ربيع هذا العام باسم والدي”.
وستكون مهمة أحمد مسعود صعبة للغاية من دون دعم خارجي، وذلك لأن
بنجشير محاطة بالكامل، فيما تسيطر طالبان على حدود البلاد ولديها ترسانة
كبيرة من الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من قواعد الجيش الأفغاني.
وحسب أكثر التقديرات تحفظا، يمكن لحركة طالبان إرسال ما يصل إلى 100 ألف
مقاتل للسيطرة على المحافظة المتمردة، في حين أن صالح ومسعود لديهما أقل
من 10 آلاف مسلح. وبطبيعة الحال فأحمد مسعود، نجل قائد ميداني معروف،
وهو صاحب سلطة كبيرة بين الطاجيك الأفغان، ومن المحتمل أن يتبعه العديد
من السكان المحليين، إلا أن الاصطفاف على الأرض حاليا ليس في صالحه.
ويبدو أن مسعود يعي طبيعة الموقف، ويفكر في خيارات مختلفة. وكان قد أجرى
مؤخرا مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط قال فيها إنه على اتصال مع طالبان.
وأكد أنه مستعد لتقديم تنازلات لخصومه وتشكيل حكومة شاملة في البلاد، تضم
بالطبع شخصيات من بنجشير. لكنه شدد على معارضته القاطعة لتشكيل حكومة
من طالبان حصرا. ولم ترق هذه الدعوة للحركة، وهددت بشن هجوم في المستقبل
القريب على هذه المنطقة المتمردة.
إلى ذلك، نقلت وكالة أنباء نوفوستي عن مصدر في العاصمة الأفغانية أن عشرة
آلاف شخص مزودين بأسلحة ومعدات عسكرية، من بينها دبابات، يجري إرسالهم
إلى منطقة بنجشير، بقيادة الجنرال عبد الرشيد دوستم. والكثير من هؤلاء، تدربوا
على أيدي مدربين غربيين، ولديهم خبرة في محاربة طالبان، والأهم من ذلك، أنهم
احتفظوا بدوافع للقتال. وافيد بأن مفارز متقدمة وصلت بالفعل إلى وجهتها.
المصدر: نوفوستي