إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع، فقد عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه أعرض عن الأعمى، وقد جاءه يستفيد، يسأل يا رسول الله علمني مما علمك الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلا بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرض عنه، فأنزل الله عز وجل “عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى” وقال القرطبي في التفسير “فعاتبه الله على ذلك لكي لا تنكسر قلوب أهل الإيمان” تطييب الخواطر لمن انكسر قلبه من مصيبة مثلا واضح جدا في السنة النبوية، فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي “يا جابر مالي أراك منكسرا”
قلت يا رسول الله استشهد أبي وهو قتل يوم أحد وترك عيالا ودينا، أخوات ودين، وليس إلا جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قلت بلى يا رسول الله، قال ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحا، فقال يا عبدي تمن عليّ أعطك، قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرب عز وجل إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، ، فكان صلى الله عليه وسلم يطيّب خواطر هؤلاء الذين أثقل كاهلهم الدين، ولا يجدون ما يواجهون به مهمات الحياة ووظائفها كالزواج، فقد دخل صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا أمامة، مالي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟
قال هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله تعالى همك، وقضى عنك دينك، قلت بلى يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم، والحزن، وأعوذ بك من العجز، والكسل، وأعوذ بك من الجبن، والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال، قال أبو أمامة ففعلت ذلك، فأذهب الله همي وقضى عني ديني، إذن قد يكون تطييب الخاطر بدعاء يعلمه ذلك المصاب، قد ينبغ في المسلمين نابغة، ويفي للحق غلام، ويكون صادقا في نقله، حريصا على مصلحة الإسلام، واعيا لمؤامرات المنافقين، لكن لا يكون له إثبات في نقله، أو مستند، وحجة في مواجهته لهؤلاء المنافقين وهو صغير السن.
فلا يؤخذ بقوله، بل يستنكر عليه فينكسر، فينزل الله قرآنا في تطييب نفس ذلك الغلام، عن زيد بن أرقم رضى الله عنه أنه لما سمع قول عبد الله بن أبي لأصحابه وكان بمعزل عن جيش المسلمين، ولم يأبهوا لذلك الغلام، فقال عبد الله المنافق لأصحابه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل “أبلغ زيد عمه، وأبلغ العم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة خطيرة جدا، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي، جاء، وحلف، وجحد، قال زيد فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم “وصار اللوم على زيد، كيف تنقل مثل هذا الكلام الخطير، أنت غلام لا تعلم ماذا يترتب على مثل هذا الكلام” قال زيد فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد، فبينما أنا أسير قد خفقت برأسي من الهم.
فإن هذا غلام انكسر قلبه وخاطره من جراء رد قوله، ولوم الناس له وهو صادق، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني، وضحك في وجهي، فما كان يسرني أني لي بها الخلد في الدنيا، وهو سبب نزول قول الله تعالى في سورة المنافقون “يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ” وقد صدّق الله أذن الغلام، وأنزل تصديقه في كتابه، وأنزل آيات إلى يوم الدين تتلى، شاهدة على البر والوفاء، وعلى الوعي، وسرعة تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل، وهذا من مقتضيات الإيمان في مواجهة أهل النفاق والكفران، يحتاج الناس دائما إلى كلمة حانية، ومواساة كريمة، وذلك لكثرة حوادث الدنيا، وهؤلاء المنكسرين من الفقراء، والأرامل، والأيتام.