إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن الوفاء مركب من العدل والجود والنجدة، وإن علامة العبودية ثلاث، الوفاء لله على الحقيقة، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في الشريعة، والنصيحة لجميع الأمة، وأنه ما نجا مَن نجا إلا بمراعاة الوفاء، وإن الصدق هو الوفاء لله عز وجل بالعمل، وأن الوفاء هو صدق اللسان والفعل معا، والوفاء خُلق من أخلاق القرآن، وخُلق نبوي كريم، وخصلة كريمة من خصال الإيمان، وخُلق عظيم من أخلاق الإسلام، ولكن هذا الخلق الكريم قد ضاع بين المسلمين إلا من رحم ربي عز وجل إنه خُلق الوفاء بالعهد، وإنك لو نظرت إلى واقع الأمة اليوم، ستجد كم من الناس من يتكلم، وكم من الناس من يعد، وكم من عهود مسموعة ومرئية ومنقولة ولكن أين صدق الوعود؟
وأين الوفاء بالعهود؟ فقد كثرت في زماننا هذا الوعود، وأكثر منها عدم الوفاء بها، فإذا أراد أحدنا التهرب من أخيه، وعده بشيء وهو يعلم أنه لن ينفذ ما وعد به، وينسى قول الله تبارك وتعالى “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا” وإن للوفاء بعهد الله تعالى فوائد عظيمة، وللوفاء أيضا مع الأصدقاءِ والجيرانِ والخلان وعموم الناس فوائد كثيرة ومتنوعة، ومن أهمها، أنه مَن أوفى بعهد الله من توحيده وإخلاص العبادة له، أوفى الله بعهده من توفيقه إلى الطاعات، وأسباب العبادات، وأن الذين يوفون بعهد الله، هم أولو الألباب، وهم الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله، فوعدهم أن لهم الجنةَ، ومَن أوفى بعهده من الله؟ وقد مدح الله تعالى الموفين بعهودهم كثيرا في القرآن الكريم.
وكما أن الوفاء صفة أساسية في بنية المجتمع الإسلامي، حيث تشمل سائر المعاملات، إذ كل المعاملات، والعلاقات الاجتماعية، والوعود والعهود تتوقف على الوفاء، فإذا انعدم الوفاء انعدمت الثقة، وساء التعامل، وساد التنافر، وإن من أهم الوفاء هو الوفاء بالعهود من بَيعة، وبيع، ودَين، ونذر، وشروط تتعلق بالمعاملات المالية والاجتماعية، وإن المسلم المتمسك بالوفاء في كل أحواله يجد في نفسه سعادة عظيمة، عندما يوفي حقوق الله تعالى كاملة، وحقوق إخوانه المسلمين، ولا ينسى حق أهله، ونفسه عليه، فيعطي كل ذي حق حقة، وكذلك الوفاء بالوعد في الإسلام، وقد مدح الله عز وجل نبيه إسماعيل عليه السلام بوفائه بالوعد في قوله تعالى.
“واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا” وقد أثنى الله عز وجل على نبيه إسماعيل عليه السلام فقال “إنه كان صادق الوعد” وذلك لأنه عانى في الوفاء بالعهد ما لم يعانه غيره، وعد رجلا فانتظره حولا، وروي عن ابن عباس رضى الله عنهما، وقيل انتظره اثني عشر يوما، وقيل ثلاثة أيام، وقال ابن عبدالبر، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتظر رجلا وعده في موضع من طلوع الشمس إلى غروبها” وقد ذكر ابن مفلح المقدسي في هذا الموضع قصة عرقوب، فقال كانت مواعيد عرقوب لها مثلا، وما مواعيدها إلا الأباطيل، وقال ابن الكلبي عن أبيه كان عرقوب رجلا من العماليق، فأتاه أخ له يسأل شيئا، فقال له عرقوب إذا أطلع نخلي.
فلما أطلع أتاه فقال إذا أبلح، فلما أبلح أتاه، فقال إذا أزهى، فلما أزهى أتاه، فقال إذا أرطب، فلما أرطب أتاه، فقال إذا أتمر، فلما أتمر جذه ولم يعطه شيئا، فضرب به العرب المثل في خُلف الوعد، وقال غيره كان عرقوب جبلا مكللا بالسحاب أبدا ولا يمطر شيئا، قالت الحكماء من خاف الكذب أقل المواعيد، وقالوا أمران لا يسلمان من الكذب، كثرة المواعيد، وشدة الاعتذار” فينبغي على المعلم والمتعلم أن يتحليا بهذه الصفة لأن كلا الطرفين سيفقد أحدهما الثقة بالآخر إن كان الطرف الآخر مخلفا للوعد، مما يؤثر على سير العملية التعليمية، وقال الله تعالى “وبعهد الله أوفوا” وإن الالتزام بالوعد والوفاء به من صفات المؤمنين، فالله سبحانه وتعالى علمهم ذلك، وبدأ بنفسه سبحانه وتعالى.