متابعة: نورهان البهنساوى
تكتسب المياه أهمية حيوية للإنسان ولكوكب الأرض، وتعد رأس المال الأهم للبشرية، ويمكن استخدام مصطلح «رأس المال المائي» باحتساب المياه من أهم الأصول الطبيعية للعالم ومورداً أساسياً لحياة البشر والكائنات الحية.
وفي منتدى أعمال المياه، الذي نظمه أمس إكسبو 2020 دبي وغرفة دبي بالتعاون مع وزارة الطاقة والبنية التحتية ووزارة التغير المناخي والبيئة، تمت مناقشة أهم التحديات التي تواجه قطاع المياه في العالم، ويأتي المنتدى ضمن فعاليات أسبوع المياه في إكسبو 2020 دبي وهو آخر الأسابيع المتخصصة التي نظمها الحدث.
وفي الكلمة الافتتاحية للمنتدى، سلّط معالي سهيل بن محمد فرج فارس المزروعي، وزير الطاقة والبنية التحتية، الضوء على أهمية اتخاذ خطوات عاجلة وفاعلة لاستدامة الموارد المائية، كون الأمن المائي جزءاً رئيساً من منظومة التنمية، ويحظى بأولوية لدى حكومة دولة الإمارات.
وقال معاليه: تدرك دولة الإمارات أن الأمن المائي يمثل حجز الزاوية في الأمن الوطني، وله أهمية قصوى في دعم مستهدفاتها المستقبلية ومسيرتها التنموية، ولذلك أطلقت الدولة استراتيجية الأمن المائي 2036، والتي صيغت من منظورٍ وطني لتغطية عناصر سلسلة إمدادات المياه كافة في الدولة للعشرين عاماً المقبلة، وتهدف إلى حرية الوصول المستدام والمستمر إلى كمياتٍ آمنة وكافية من المياه الصالحة للشرب في ضوء العمليات العادية وأثناء حالات الطوارئ واسعة النطاق.
حلول استراتجية
وأضاف معاليه: الاستراتيجية تجمع الحلول الاستراتيجية ذات الأولوية في إطارٍ متكامل، وتتكون من ثلاثة برامج استراتيجية وهي: (برنامج إدارة جانب الطلب على المياه، وبرنامج إدارة جانب إمدادات المياه، وبرنامج إنتاج وتوزيع المياه في حالات الطوارئ)، وإن ثمة تمكيناً للاستراتيجية من خلال عدة مبادرات تُعنى بتطوير سياسات المياه المحلية والخطط والتشريعات، والإعداد المؤسسي وبناء القدرات والتقنيات والابتكار والوعي العام، مشيراً إلى أن برنامج إدارة جانب الطلب على المياه يُـعزز الاستدامة البيئية والاقتصادية في قطاعي استهلاك المياه في المناطق الحضرية والزراعية.
وأكد معاليه أن برنامج إدارة إمدادات المياه سيسهم في توفير احتياجات المياه المستقبلية بطريقة أكثر استدامة، وأن دولة الإمارات العربية المتحدة تعمل على فصل إنتاج المياه عند توليد الطاقة باستخدام مزيجٍ من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة لتحلية مياه البحر عبر تقنية التناضح العكسي لمياه البحر، متوقعاً أن تنخفض تقنية التحلية الحرارية بنسبة (80%) (ألف قدم مربعة) إلى (46%)، وزيادة تقنية تحلية المياه بالأغشية (التناضح العكسي) بنسبة (20%) لتصل إلى (54%) من إجمالي أنظمة تحلية المياه المستخدمة، بحلول عام 2036.
وأوضح أن برنامج إنتاج وتوزيع المياه في حالات الطوارئ يهدف إلى ضمان الوقاية الفعالة والاستجابة لحالات الطوارئ المائية على المستوى الوطني، من خلال تعزيز نقاط ربط شبكة المياه بين هيئات الكهرباء والمياه وزيادة التخزين الاستراتيجي، من خلال الخزانات المبنية واستعادة الخزانات الجوفية بحسب الطلب والاحتياجات التشغيلية، ووضع خطة استجابة طوارئ المياه المتكاملة.
وبيّن معاليه أن السعة الإجمالية لمحطات تحلية مياه البحر المثبتة تبلغ (1.590) مليون جالون يومياً، وبحلول عام (2025) ستصل السعة الإجمالية المثبتة إلى (2.150) مليون جالون يومياً، وذلك استناداً إلى المحطات الجديدة والمحدثة في الدولة، فيما بلغ إنتاج محطات التحلية لعام (2020) (442.917) مليون جالون سنوياً، مشيراً إلى أن الإمارات ثاني أكبر منتج لمياه التحلية في العالم.
وكشف معالي وزير الطاقة والبنية التحتية، عن أبرز مشاريع التحلية المنجزة وأخرى قيد الإنشاء في دولة الإمارات، وتشمل مشروع الطويلة لتحلية المياه، ومحطة تحلية مياه البحر بالتناضح العكسي بسعة (200) مليون جالون يومياً، ومحطة حسيان لتحلية المياه، ومحطة تحلية مياه البحر بالتناضح العكسي بسعة (120) مليون جالون يومياً، ومحطة ناقة لتحلية المياه، ومحطة تحلية مياه البحر بالتناضح العكسي بسعة (150) مليون جالون يومياً، فيما جارٍ تحديث محطة الحمرية لتحلية المياه، ومحطة تحلية مياه البحر بالتناضح العكسي بإضافة (90) مليون جالون يومياً وستصل السعة إلى (110) ملايين جالون يومياً. ولفت إلى أن موارد المياه الجوفية تُـعد أحد المصادر الرئيسة للمياه المستخدمة في دولة الإمارات، إذ تغطي أكثر من (95%) من استخدامات المياه الزراعية.
أولوية وطنية
ومن جانبه أوضح معالي سعيد محمد الطاير، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي في كلمة ألقاها في المنتدى أن الأمن المائي يشكل تحدياً عالمياً نظراً للنمو السكاني والاقتصادي المتزايد إذ تؤثر ندرة المياه في أكثر من 40% من سكان العالم. وأضاف: في دولة الإمارات، يعد الأمن المائي أولوية وطنية وأحد القطاعات السبعة للاستراتيجية الوطنية للابتكار. وانسجاماً مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 لضمان توافر المياه للجميع، أطلقت دولة الإمارات استراتيجية الأمن المائي 2036 التي تهدف إلى ضمان استدامة واستمرار الوصول إلى المياه في الظروف الطبيعية وظروف الطوارئ، وتعالج تحديات الأمن المائي المستقبلية على المدى الطويل.
وبحسب صندوق النقد الدولي، فمن المتوقع أن تصل الخسائر الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا نتيجة شح المياه المرتبط بالعوامل المناخية، إلى ما يتراوح من 6 لغاية 14% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2050.
وأوضح الطاير أن من بين التحديات المتعلقة بالمياه في دولة الإمارات محدودية موارد المياه الطبيعية العذبة، واستنزاف المياه الجوفية، وارتفاع الطلب على المياه. وتولي القيادة الرشيدة أهمية كبرى للحفاظ على المياه وترشيد استهلاكها وضمان أمنها. ولدى دبي رؤية شاملة بالنسبة لاستدامة موارد المياه في إطار الاستراتيجية المتكاملة لإدارة الموارد المائية في دبي 2030 والتي تركز على تعزيز الموارد المائية وترشيد الاستهلاك واستخدام أحدث التقنيات والحلول المبتكرة، وتتضمن تقليل استهلاك المياه انسجاماً مع أهداف استراتيجية دبي لإدارة الطلب على الطاقة والمياه للحد من الاستهلاك بنسبة 30% بحلول عام 2030.
3 محاور
وأضاف الطاير: نعتمد في هيئة كهرباء ومياه دبي ثلاثة محاور لاستدامة إنتاج المياه تقوم على الاستفادة من الطاقة الشمسية النظيفة لتحلية مياه البحر باستخدام تقنية التناضح العكسي التي تتميز باستهلاك أقل من الطاقة، ثم تخزين الفائض من الإنتاج في أحواض المياه الجوفية واسترجاعها وإعادة ضخها إلى شبكة المياه عند الحاجة. ويمتاز هذا النموذج الشمولي المبتكر بالحفاظ على البيئة ويمثل حلاً اقتصادياً مستداماً ويؤكد قدرة دبي على استشراف المستقبل وصناعته. وسيتيح هذا المشروع عند اكتماله بحلول عام 2025 تخزين 6.000 مليون جالون واسترجاعها عند الحاجة، ما يجعله الأكبر من نوعه في العالم لتخزين مياه الشرب وتوفيرها في حالات الطوارئ إذ ستوفر هذه التقنية مخزوناً استراتيجياً يمد الإمارة بأكثر من 50 مليون جالون من المياه يومياً مدة 90 يوماً في حالات الطوارئ مع ضمان سلامة المياه المخزنة من التأثيرات الخارجية.
محور اقتصادي
ولفت إلى أن المياه تشكل محوراً اقتصادياً رئيساً وخاصة لقطاعات الزراعة والصناعة والطاقة. وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة، يعاني العالم كثرة المياه في بعض المناطق وقلتها في مناطق أخرى، إذ تؤدي الأمطار الغزيرة والسيول إلى تدمير البنى التحتية والأحياء فيما يضر الجفاف من ناحية أخرى المحاصيل الزراعية ويؤدي إلى حدوث الحرائق وجفاف الأنهار. ويعكس إشكال وفرة وندرة المياه الحاجة لاعتماد منهجية متكاملة لإدارة المياه بما يشمل الموارد والخدمات والبنى التحتية والأخطار في آن واحد.
وقال الطاير إنه وبفضل البنية التحتية المتطورة التي تمتلكها والاستناد إلى الابتكار والتخطيط العلمي السليم، تواكب الهيئة الزيادة على الطلب في المياه وفق أعلى معايير التوافرية والاعتمادية والكفاءة. وفي عام 1992، كانت القدرة الإنتاجية لهيئة كهرباء ومياه دبي من المياه المحلاة 65 مليون جالون يومياً، أما اليوم فتبلغ 490 مليون جالون من المياه المحلاة يومياً. وقد أسهمت جهود الهيئة في البحوث والتطوير واعتماد أحدث التقنيات العالمية، في تقليل نسبة الفاقد في شبكات نقل وتوزيع المياه من أكثر من 42% في عام 1988 إلى 5.3% العام الماضي، وهي من أدنى النسب المسجلة على مستوى العالم.
تحديات ونجاحات
من جانبه أشار حمد بو عميم، المدير العام لغرف دبي إلى ارتباط تاريخ دولة الإمارات ونموها الاقتصادي والاجتماعي بالمياه، إذ للبحر والحياة البحرية أهمية كبيرة عند الإماراتيين، لكونها تذكرهم بتحدياتهم ونجاحاتهم، وتعد مصدر رزقهم ودخلهم اليومي.
وأضاف: أصبحت دولة الإمارات في أكتوبر 2020 أول دولة في الشرق الأوسط تنضم إلى التحالف العالمي للمحيطات، وهو تحالف يضم في عضويته 32 دولة لحماية ما لا يقل عن 30% من محيطات العالم بحلول عام 2030 عبر التوسع في المحميات البحرية.
ولفت بو عميم إلى أن المسطحات المائية تغطي 80% من مساحة الكرة الأرضية وهي من الموارد الأساسية للحياة، وبحسب بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن المحيطات من أهم الأصول الطبيعية للكوكب وتسهم بـ70 تريليون دولار للناتج المحلي الإجمالي العالمي سنوياً.
وأشار إلى أنه في العامين الماضيين وفي ظل الجائحة كان تراجع حركة الشحن البحري مفيداً للمحيطات ولكن في المقابل كانت هناك زيادة هائلة في المعدات ذات الاستهلاك مرة واحدة على غرار الكمامات ومعدات الطعام البلاستيكية والتي ستترك تأثيراً بالغاً في البيئة على المدى الطويل.