سناء منذر
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا)
تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة، ثم استقبل وجوه أصحابه، وقال وهو يشير الى طلحة:
” من سرّه أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض، وقد قضى نحبه، فلينظر الى طلحة”!
ولم تكن ثمة بشرى يتمنّاها أصحاب رسول الله، وتطير قلوبهم شوقا اليها أكثر من
هذه التي قلّدها النبي طلـحة بن عبيد الله..
لقد اطمأن الى عاقبة أمره ومصير حياته.. فسيحيا، ويموت، وهو واحد من الذين صدقوا
ما عاهدوا الله عليه ولن تناله فتنة،
ولقد بشّره الرسول بالجنة.
كان طلحة في تجارة له بأرض بصرى حين لقي راهبا،وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من بلاد الحرم،
والذي تنبأ به الأنبياء الصالحون قد أهلّ عصره وأشرقت أيامه..
وحّر طلحة كيلا يفوته موكبه، فانه موكب الهدى والرحمة والخلاص.
وحين عاد طلحة الى بلده مكة بعد شهور قضاها في بصرى وفي السفر، الفى بين أهلها ضجيجا..
وسمعهم يتحدثون كلما التقى بأحدهم، أو بجماعة منهم عن محمد الأمين.. وعن الوحي الذي يأتيه..
والرسالة التي يحملها الى العرب خاصة، والى الناس كافة..فسأل طلحة أول ما سأل أبي بكر فعلم
أنه عاد مع قافلته وتجارته من زمن غير بعيد، وأنه يقف الى جوار محمد مؤمنا .
وحدّث طلحة نفسه: محمد، وأبو بكر..؟؟
تالله لا يجتمع الاثنان على ضلالة .
وفي جميع المشاهد والغزوات، كان طلحة في مقدّمة الصفوف يبتغي وجه الله، ويفتدي راية رسوله.
ويعيش طلـحة وسط الجماعة المسلمة، يعبد الله مع العابدين، ويجاهد في سبيله مع المجاهدين،
ويرسي بساعديه مع سواعد اخوانه قواعد الدين الجديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور..
فاذا قضى حق ربه، راح يضرب في الأرض، ويبتغي من فضل الله منمّيا تجارته الرابحة، وأعماله الناجحة.
وكانت ثروته كلها في خدمة الدين الذي حمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته .
ينفق منها دون حساب
وكان الله ينمّيها له بغير حساب!
لقد لقّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ طلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفيّاض.
وكان أكثر الناس برّا بأهله وبأقربائه، يعولهم جميعا على كثرتهم،قيل عنه في ذلك:
“.. كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مؤنته، ومؤنة عياله..
وكان يزوج أيامهم، ويخدم عائلهم، ويقضي دينهم.
اسلن مبكرا وهاجر مع المسلمون للمدينةثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
عدا غزوة بدر،
وكان ممن دافعوا عن النبي محمد في غزوة أحد حتى شُلَّت يده، فظل كذلك إلى أن مات.
وجعله عمر بن الخطاب من أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده، وقال: «هم الذين توفي رسول الله ﷺ
وهو عنهم راض.»
بعهد عثمان بت عفان اشتدت الفتنة ومان لمقتله اثرا في نفسية طلحة، حتى صار عقدة حياته..
كل هذا، مع أنه لم يشترك بالقتل، ولم يحرّض عليه، وانما ناصر المعارضة ضدّه، يوم لم يكن يبدو أن المعارضة ستتمادى
وتتأزم حتى تتحول الى تلك الجريمة البشعة..
،وبعد مقتل عثمان بن عفان خرج إلى البصرة مطالبًا بالقصاص من قتلة عثمان فقُتِلَ في موقعة الجمل
وكان عمره أربع وستُّون سنة.