متابعة : سوزان مصطفى
عرف الإنسان القديم خلال الحضارات المتعاقبة طرقًا مختلفةً للكتابة كان أشهرها الكتابة المسمارية التي ظلت شاهدًا حيًا على تلك الحضارات المندثرة من خلال ألواح الطين المنقوش عليها أشكال ورموز خاصةً بها أصبحت فيما بعد أساسًا لعددٍ من أساليب الكتابة في حضاراتٍ أخرى، كما أتاحت لنا التعرُّف على بعضٍ من جوانب الحضارات القديمة آنذاك.
وتعتبر الكتابة المسمارية
الكتابة المسمارية هي طريقة كتابة تتم بالنقش تم استعمالها لكتابة عدة لغات منها السومرية والاكدية، وهي طريقة تعتمد على النقش.
بينما ظهرت في مصر في حقبة زمنية لاحقة قريبة طريقة كتابة تعتمد على الخطوط اللينة وتسمى الهيراطيقية المصرية. إنّ طريقة الكتابة المسمارية هي ثاني اقدم طريقة للكتابة تم رصد استعمالها من القدماء.
أدوات الكتابة المسمارية
يستخدم في هذه الكتابة قطع منحوتة من أعواد القصب لتسهل نقش الرموز على ألواح طينية.
ويبلغ عدد رموز الكتابة المسمارية 600 رمز.
وتعتبر محلحمة جلجامش من أبرزت الكتابة بالمسمارية.
أخذت الكتابة المسمارية اسمها من الكلمة اللاتينية cuneus؛ التي تعني المسمار أو الإسفين لأن طريقة الكتابة تتم برسم أشكالٍ تشبه الإسفين، حيث يُضغط بحذرٍ على لوحٍ طينيٍّ طريٍّ باستخدام أداة كتابةٍ تدعى “القلم stylus” لرسم الأشكال التي تدل على إشاراتٍ للكلمات لكنها أصبحت تدل لاحقًا على مفهوم الكلمات، وقد استخدمت كافة الحضارات العظيمة في بلاد ما بين النهرين الكتابة المسمارية كالسومريين والأكاديين والبابليين والآشوريين وغيرهم، حتى بدأت طريقة الأحرف الأبجدية بعد حوالي 100 عام قبل الميلاد.
يُعتقد أن أصل المسمارية يعود إلى نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد حيث سكن السومريون جنوبي بلاد ما بين النهرين وغرب مصب نهر الفرات في منطقةٍ تدعى الكلدية، فعلى الرغم من عدم وجود أدلةٍ على أنهم أول من سكن المنطقة وأنهم من أوجدوا الكتابة المسمارية فإن كافة الكتابات المسمارية القديمة المكتشفة تعود للسومريين بشكلٍ خاص. فأول سجلاتٍ مكتوبةٍ باللغة السومرية هي ألواحٌ تصويريةٌ تعود لمدينة أورك وتتضمن قوائمَ وأسعارًا لبضائعٍ أُشير إليها برسومٍ مختلفةٍ مرفقةٍ بأرقامٍ وأسماءٍ حيث كانت تلك الطريقة تدل فقط على الأشياء المحسوسة.
أحرف المسمارية
اعتُمد لاحقًا على المفاهيم العددية من خلال تكرار استخدام الخطوط أو الدوائر، إلا أن تمثيل الأسماء المناسبة فرض الحاجة لاستخدام الرسوم الرمزية أي مساعدة القارئ على استحضار شكل الصوت الضمني أكثر من اعتماده على الفكرة الأساسية للشيء المرسوم وذلك باستخدام الأشكال التصويرية، وهذا ما يتطلب انتقالًا من كتابة الكلمة بشكلٍ مجردٍ إلى طريقة المخطوطة الصوتية الجزئية، وعلى سبيل المثال تصبح صورة اليد جزءًا من الكتابة السومرية وطريقة المقاطع الصوتية في أي سياقٍ كان.
استخدمت الكتابة المسمارية منذ بدايتها أكثر من 1000 حرفٍ ورمزٍ، اختُصرت مع مرور الوقت لتصبح حوالي 400 حرف وهي عبارةٌ عن صفوفٍ مختلفةٍ من الخطوط والأوتاد ذات الأشكال المثلثية وهذا ما جعل الكثيرين يعتبرون اللغة المسمارية هي ذاتها اللغة اللاتينية لكن على شكل أوتادٍ وأسافين مثلثيةٍ؛ تنوعت هذه الأحرف بدءًا من البسيطة الشكل وصولًا إلى المعقدة للغاية، كما يمكن لتلك البسيطة أن تتصل مع بعضها البعض لتشكل كلماتٍ مركبةٍ وعباراتٍ مترابطةٍ
متى تم انتشارها؟
أول من اعتمد طريقة الكتابة المسماريّة المنسوبة للسومريين هم الأكاديون الذين غزوا منطقة بلاد ما بين النهرين وأسسوا فيها حضارةً في منتصف الألفية الثالثة، واحتفظوا بالرسوم اللفظية السومرية وأسلوب ربطها مع بعضها ليتمكنوا من الحصول على أفكارٍ ومفاهيم أكثر تعقيدًا، لكنهم أعلنوا أنها كلماتٌ أكاديةٌ مرادفةٌ للكلمات السومرية؛ كما احتفظوا بالمقاطع الصوتية واعتمدوها في دلالاتٍ أوسع من تلك المستخدمة في الكتابة السومرية.
تدعى أول أنواع الكتابة المسمارية السامية في بلاد ما بين النهرين باسم الكتابة الأكادية القديمة والتي يمكن مشاهدتها من خلال مدونة حمورابي المكتوبة بالمسمارية البابلية القديمة والتي تطورت خلال حقبة التاريخ البابلي إلى أنواعٍ بابليةٍ جديدةٍ؛ أيضًا اعتمدت الحضارة الآشورية على الكتابة المسمارية في سجلاتٍ ومستنداتٍ قانونيةٍ وُجدت ضمن السجلات الآشورية التجارية في آسيا الوسطى، كما وُجدت سجلاتٌ واسعةٌ من المسمارية خلال الفترة الآشورية الجديدة ضمن مكتبة آشور بانيبال في نينوى
في الألفية الثالثة بدأ انتشار المسمارية خارج بلاد ما بين النهرين عندما أصبحت دولة عيلام في جنوب غرب إيران على اتصالٍ مع ثقافات بلاد ما بين النهرين واعتمدت الكتابة المسمارية التي انتقلت منها إلى الفرس الأوروبيين لتساعدهم في إنشاء كتابةٍ مسماريةٍ جديدةٍ خاصةٍ باللغة الفارسية القديمة.
الأكادية المسمارية حوالي عام 2000 قبل الميلاد وانتقلت منهم إلى الحثيين الذين كانوا قد غزوا وسط آسيا الصغرى، أما في الألفية الثانية فقد تحولت الكتابة المسمارية الأكادية المستخدمة في بابل إلى وسيلةٍ للتواصل بين مختلف مناطق الشرق الأوسط وبالتالي أصبحت الكتابة المسمارية أداةً للتواصل الكتابي في مختلف أنحاء العالم.
ألواح الكتابة المسمارية
ساعد وجود الألواح الطينية المجففة بأشعة الشمس في منطقةٍ مناخيةٍ جافةٍ هي بلاد ما بين النهرين على حماية ألواح الكتابة المسمارية من التلف والضياع مع مرور الزمن أكثر من كتابات الحضارات الأخرى التي نشأت في مصر والصين والهند والبيرو مستخدمة موادًا قابلةً للتلف كأوراق البردي والخشب والخيزران وأوراق النخيل إضافةً للقطن، حيث تمكن العلماء من العثور على وثائقٍ ومستنداتٍ قديمةٍ تعود للحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين أكثر مما أتيح لهم في حضاراتٍ أخرى كحضارة مصر القديمة.
فقد عُثر على سجلاتٍ كبيرةٍ من الكتابات المسمارية في مدينة ينبور المقدسة، إضافةً لما يقارب 20000 لوحًا من الكتابة. المسمارية موجودةً في 20 غرفة في مدينة ماري التي كانت مركزًا هامًا في منطقة بلاد ما بين النهرين ويحكمها قبائلٌ تتكلم لغةً ساميةً، وكل تلك السجلات محفوظة في متاحفٍ وجامعاتٍ عديدةٍ.