متابعة : نوران سعاده
جاء فى تعريف التابعين بأنهم هم المسلمون الذين عاشوا في عصر ما بعد النبوّة وماتوا على
الإسلام، أي أنّهم لم يلقوا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لكنّهم عاصروا صحابة رسول الله
-رضي الله عنهم- وأخذوا تعاليمهم الدينية منهم، وهم من حفظ التعاليم الإسلامية بكلّ أمانة وطبّقها
وعمل بها، ثمّ نقلها للجيل الذي يليه دون تحريفٍ أو إضافة أي بدعة.
ومن حياة التابعين الكثير من المواقف والعبر التي تبيّن للناس صدق إيمانهم وخوفهم من الله –
عزّ وجل- وحرصهم على اتباع تعاليم الرسول الكريم، كصبرهم على الشدائد وزهدهم بالدنيا وما
فيها وتواضعهم، فمنها: مواقف وعبر من حياة التابعين.
مواقف فى الصبر:
وللتابعيّ عروة بن الزبير قصة فى الصبر عندما كان في وادي القرى، إذ دخل في قدمه شيءٌ
فتقرحت و تورمت وزاد ألمها، فذهب إلى الوليد بن عبد الملك وطلب منه أن يقطعها، فطلب الوليد
طبيبًا ليرى ما بها، وقرر الطبيب قطعها وطلب من عروة بن الزبير شرب شيءٍ كي لا يشعر بالألم
ولكنّه رفض، فقطعها من نصف الساق فما زاد عروة عن قول “حس حس” تعبيرًا عن ألمه، فقال
الوليد “ما رأيت شيخًا قط أصبر من هذا”.
وفي نفس السفر أصيب عروة بفاجعة موت إبنه محمد، إذ أنّ بغلةً في الإصطبل ركضت نحوه وقتلته،
فقال عروة: “{لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا}، اللهم كان لي بنون سبعةً فأخذت واحدًا وأبقيت لي ستة،
وكان لي أطرافٌ أربعة فأخذت طرفًا وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتَليت لقد عافيت ولئن أخذت لقد أبقيت”.
مواقف فى الزهد:
وفي الزهد كان عمر بن عبد العزيز في داره جالسًا في ركنٍ مشمسٍ ملتحفًا دثاره، فدخل عليه أحد
أقاربه فدهشه ما رآه وظنّ أن أمير المؤمنين -عمر بن عبد العزيز- مريض، فلما سأله عن حاله قال له:
“لا شيء، إني أنتظر ثيابي حتى تجفّ”، فقال: وما هي ثيابك يا أمير المؤمنين؟، فقال عمر “قميص
ورداء وإزار”، فقال له: “ألا تتخذ قميصًا آخر ورداءً، أو إزارًا؟”، فقال عمر: “قد كان لي ذلك، ثم تمزقت”،
فقال له: “ألا تتخذ سواها؟”، فأطرق عمر رأسه، ثم أجهش بالبكاء، وجعل يردد قوله تعالى: {تلك الدار
الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين}.
وأيضاً حين سمع أنّ أحد أبناءه اشترى خاتمًا بقيمة ألف درهم، فما كان منه إلا أن كتب له وقال:
“بلغني أنك اشتريت خاتمًا وفصّه بألف درهم، فإذا أتاك كتابي هذا، فبع الخاتم، وأشبع به ألف بطن،
واتخذ خاتمًا بدرهمين، واجعل فصّه حديدًا صينيًّا، واكتب عليه: رحم الله امرءًا عرف قدره”.