إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إنه يذكرنا الله عزّ وجل فيمن عنده، ولن يكون إلا بذكر الله عز وجل، قال تعالى “فاذكرونى أذكركم” وقال القرطبي في تفسيرها أن معنى هذه الآية الكريمة اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة، قاله سعيد بن جبير، وقال أيضا الذكر طاعة الله، فمَن لم يطعه لم يذكره، وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن، وقال أبو عثمان النهدي إني لأعلم الساعة التي يذكرنا الله فيها، قيل له ومن أين تعلمها؟ قال يقول الله عز وجل “فاذكرونى أذكركم” وقال السدي “ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله عز وجل، لا يذكره مؤمن إلا ذكره الله برحمته، ولا يذكره كافر إلا ذكره الله بعذاب، وحتى نصل إلى المغفرة من الله عز وجل والعفو عن التقصير.
وقال تعالى “والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما” وقال السعدي رحمه الله “والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ” أي في أكثر الأوقات، خصوصا أوقات الأوراد المقيدة كالصباح والمساء، وأدبار الصلوات المكتوبات ” أعد الله لهم”أي لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة، والمناقب الجليلة، التي هي ما بين اعتقادات، وأعمال قلوب، وأعمال جوارح، وأقوال لسان، ونفع متعد وقاصر، وما بين أفعال الخير، وترك الشر الذي مَن قام بهن، فقد قام بالدين كله، ظاهره وباطنه، بالإسلام والإيمان والإحسان، فجازاهم على عملهم مغفرة لذنوبهم لأن الحسنات يذهبن السيئات “وأجرا عظيما”لا يقدر قدره، إلا الذي أعطاه، مما لا عين رأت.
ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا منهم، لأن كثرة الذكر هو أمر نبينا صلى الله عليه وسلم فعن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “وأمركم بكثرة ذكر الله، وإن مثل ذلك كمثل رجل ظلمه العدو، فانطلقوا في طلبه سراعا، وانطلق حتى أتى حصنا حصينا، فأحرز نفسه فيه، وكذلك مثل الشيطان لا يحرز العباد أنفسهم منه إلا بذكر الله” وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم “مثَل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت” رواه البخارى ومسلم، ولأنه وصية نبينا صلى الله عليه وسلم، لما عز عليه معاذ، وأحس بحبه أوصاه بكثرة الذكر لله عز وجل فعن معاذ بن جبل.
قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدى يوما، ثم قال “يا معاذ، إني لأحبك” فقال له معاذ بأبي وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك، فقال “أوصيك يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول ” اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك” ولأن الذكر خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات، وبه ندخل الجنات، ونرضي رب الأرض والسماوات، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي؟ قالوا يقولون يسبحونك، ويكبرونك.
ويحمدونك، ويمجدونك، قال فيقول هل رأوني؟ قال فيقولون لا والله، ما رأوك، قال فيقول وكيف لو رأوني؟ قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا وتحميدا، وأكثر لك تسبيحا، قال، يقول فما يسألوني؟ قال يسألونك الجنة، قال، يقول وهل رأوها؟ قال يقولون لا والله يا رب، ما رأوها، قال يقول، فكيف لو أنهم رأوها؟ قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة، قال فمم يتعوذون؟ قال يقولون من النار، قال يقول وهل رأوها؟ قال يقولون لا والله يا رب، ما رأوها، قال يقول فكيف لو رأوها؟ قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة، قال فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم” ررواه البخارى ومسلم.