إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع ثمرات ذكر الله عز وجل، وإن الذكر نوعان، أحدهما هو ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى، وهذا أيضا نوعان، فأحدهما إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه، نحو سبحان الله عدد خلقه، والنوع الثاني الخبر عن الرب تعالى
بأحكام أسمائه وصفاته، نحو قولك الله عز وجل يسمع أصوات عباده، وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى به عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، وهذا النوع أيضا ثلاثة أنواع، حمد، وثناء، و مجد، فالحمد لله الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى.
مع محبته والرضا به، فإن كرر المحامد شيئا بعد شيء كانت ثناء، فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجدا، وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة، فإذا قال العبد “الحمد لله رب العالمين” قال الله حمدني عبدي، وإذا قال “الرحمن الرحيم” قال أثنى عليّ عبدي،
وإذا قال “مالك يوم الدين” قال “مجّدني عبدي” رواه مسلم، وأما النوع الثاني من الذكر، فهو ذكر أمره ونهيه وأحكامه وهو أيضا نوعان، أحدهما ذكره بذلك إخبارا عنه بأنه أمر بكذا، ونهيه عن كذا، والثاني هو ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه، فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه فائدة، فهذا الذكر من الفقه الأكبر.
وما دونه أفضل الذكر إذا صحت فيه النية، ومن ذكره سبحانه وتعالى ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه، ومواقع فضله على عبيده، وهذا أيضا من أجل أنواع الذكر، فهذه خمسة أنواع، وهي تكون بالقلب واللسان تارة، وذلك أفضل الذكر، وبالقلب وحده تارة، وهي الدرجة الثانية،
وباللسان وحده تارة، وهي الدرجة الثالثة، فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة بالله، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا من هذه الآثار، وإن أثمر شيئا منها فثمرة ضعيفة.
وإن الذكرأفضل من الدعاء، لأن الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته، فأين هذا من هذا؟ ولهذا جاء في الحديث” من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين” ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى، والثناء عليه بين يدي حاجته،
ثم يسأل حاجته، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه الثناء والذكر، وهذه فائدة أخرى من فوائد الذكر والثناء، أنه يجعل الدعاء مستجابا، فالدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته، وإفتقاره واعترافه، كان أبلغ في الإجابة وأفضل.
وإن قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، وهذا من حيث النظر إلى كل منهما مجردا، وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، بل يعينه، فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود، فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة، وكذلك الذكر عقب السلام من الصلاة ذكر التهليل، والتسبيح، والتكبير، والتحميد أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة
، وكذلك إجابة المؤذن، وهكذا الأذكار المقيدة بمحال مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة، اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القران.