اللواء اشرف فوزى يكتب
يصادف الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر، الذكرى الـ٢١لاندلاع الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”،
التي ارتقى خلالها ما يقرب من ٤٥٠٠ شهيد، وأصيب أكثر من ٥٠ ألفاً.
في خلفية اندلاع الانتفاضة، بعد أسبوعين من المفاوضات التي عقدت في منتجع “كامب ديفيد” بدعوة من الرئيس الأميركي
الأسبق بيل كلينتون، ومشاركة الرئيس الفلسطيني الشهيد الراحل ياسر عرفات، ورئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود باراك،
وفي تموز من العام ٢٠٠٠، وبعد عدم التوصل إلى حل سلمي للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، اندلعت “انتفاضة الأقصى”.
آنذاك، رفض ياسر عرفات تقديم تنازلات من شأنها التوقيع على الاتفاقية التي كانت ترسم شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية،
وشهد عصر الخميس ٢٨ أيلول/سبتمبر ٢٠٠٠ مواجهات بين مصلين وشبان غاضبين وشرطة الاحتلال وحرس حدوده وقواته
الخاصة، التي اقتحمت باحات الأقصى لتأمين تدنيسه من قبل زعيم حزب الليكود المتطرف أرئيل شارون، وعدد من أعضاء
حزبه اليمينيين، فكانت تلك الساعات الشرارة الأولى لانطلاق الانتفاضة الثانية، والتي عُرفت فيما بعد باسم “انتفاضة الأقصى”.
أصيب في أحداث اليوم الأول ٢٠ شابا بجروح مختلفة، وشهد اليوم الثاني، الجمعة ٢٩ أيلول/سبتمبر، مواجهات أكثر عنفا، بعد
انتهاء صلاة الظهر، أسفرت عن استشهاد ستة شبان و٣٠٠ جريح،
السبت، ٣٠ أيلول/سبتمبر، وهو اليوم الثالث للأحداث، عم اضراب شامل وحداد عام، واتسعت رقعة المواجهات لتشمل كافة
المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، ما أسفر عن استشهاد ١٣ مواطنا واصابة ٦٢٣، وكان من بين الشهداء الطفل محمد جمال
الدرة بعد أن حاصرته النيران الإسرائيلية بين يدي أبيه، وأمام كاميرات التلفاز، فهزت صورته ضمائر البشر في كل أرجاء
المعمورة، وصار بذلك رمزا للانتفاضة الفلسطينية في كل مكان.
وفي اليوم التالي، الأحد، الأول من تشرين الأول/أكتوبر ، استشهد عشرة مواطنين واصيب ٢٢٧آخرين، واستخدم الاحتلال في
تلك المواجهات المروحيات وصواريخ اللاو. وخرجت أولى المظاهرات المساندة للشعب الفلسطيني في تصديه لقوات الاحتلال،
ورفضه المساس بمقدساته الإسلامية، فكانت مظاهرة مخيم عين الحلوة، تلاها مظاهرة حاشدة في مخيم اليرموك القريب من
دمشق، لتمتد لاحقا إلى معظم العواصم والمدن العربية والإسلامية والغربية، حيث شهد بعضها مسيرات مليونية، وبدأت حملات
تبرعات ضخمة عبر شاشات التلفزة العربية، حيث تم تخصيص أيام مفتوحة للتبرع لصالح الانتفاضة، وخرج عشرات الجرحى
للعلاج في المستشفيات العربية.
وفي ذات اليوم الأول من أكتوبر/ تشرين أول امتدت المواجهات إلى داخل أراضي عام ١٩٤٨، إذ نفذ الفلسطينيون هناك إضرابا
شاملا وقاموا بالاحتجاج والاشتباك مع وحدات الشرطة الإسرائيلية التي اعتقلت ١٨ من المشاركين وقتلت عمر أحمد جبارين
(٢١عاما) قرب أم الفحم، ليكون شهيد الانتفاضة الأول من أراضي الـ٤٨، وأصابت سبعة متظاهرين بالرصاص الحي، وثلاثة
وخمسين بالطلقات المطاطية.
وبعدها بعدة أيام، أستشهد ١٣ مواطنا من داخل أراضي عام ٤٨ خلال مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية في عدد من البلدات
والمدن الفلسطينية، في أوسع مشاركة للفلسطينيين بالداخل في التصدي للاحتلال.
وفي اليوم الخامس للانتفاضة، الإثنين الثاني من تشرين الأول / أكتوبر ، استشهد ثمانية مواطنين في مواجهات في الداخل،
وفي يوم الثلاثاء، سادس أيام الانتفاضة، استشهد ٩ مواطنين في الضفة وغزة وكفر مندا.
وفي بدايات تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٠٠، بدأت الصحف تنشر إعلانات تأجيل حفل زفاف، حيث تأجل الكثير منها، أو تم في
صمت، احتراما لدماء الشهداء والجرحى ومراعاة للظروف التي يمر بها شعبنا.
في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين أول، قتل جنديان إسرائيليان بعد أن دخلا بطريق الخطأ إلى مدينة رام الله، بأيدي الشبان
الغاضبين، وردت إسرائيل بشن هجمات صاروخية بالطائرات العمودية على بعض مقار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
في ١٥ أكتوبر ، وبحلول اليوم الثامن عشر للانتفاضة استشهد الشاب رائد حمودة متأثرا بجروحه، مسجلا الرقم ١٠٠ في سجل
شهداء الانتفاضة.
وفي السابع عشر من تشرين أول/ أكتوبر، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وسحب القوات الإسرائيلية، ولكن استشهاد تسعة
مواطنين وإصابة أكثر من مائة آخرين في مواجهات عنيفة في الحادي والعشرين من أكتوبر/ تشرين أول جدّد المواجهات،
التي ازدادت وتيرتها كما ونوعا.
الاحتلال من ناحيته صعد المواجهة، فقتلت طائراته الناشط البارز في حركة فتح حسين عبيات، وذلك بتاريخ التاسع من تشرين
الثاني، بعد قصف سيارته بالصواريخ في مدينة بيت لحم، لتكون البداية في سلسلة اغتيالات الاحتلال للنشطاء الميدانيين وقادة
الفصائل والعمل الوطني، حيث كان أمين سر حركة فتح في مدينة طولكرم ثابت ثابت، الهدف الثاني للاغتيال بعد عبيات.
لاحقا ازدادت وتيرة اغتيالات الاحتلال، وشملت معظم الفصائل الفلسطينية وقادتها، وأبرزهم: اغتيال الزعيم الروحي لحركة
حماس أحمد ياسين، وخلفه عبد العزيز الرنتيسي، إضافة الى اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، ومئات
النشطاء البارزين من مختلف التنظيمات.
يذكر أنه في١٨ أيار ٢٠٠١، دخلت طائرات الـ(اف ١٦) المقاتلة معترك الانتفاضة، وقصفت مقرات للشرطة الفلسطينية
في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين.
ولعل من أبرز أحداث الانتفاضة اجتياح العام ٢٠٠٢، التي أطلق عليه جيش الاحتلال عملية “السور الواقي”، حيث بدأت دبابات
الاحتلال بدخول مدينة رام الله في ٢٩-٣-٢٠٠٢، وحاصرت مقر الشهيد ياسر عرفات، وكنيسة المهد، وإبعاد المقاتلين الذين
تحصنوا داخلها إلى غزة والأردن ودول أوروبية، وأعادت فيها إسرائيل اجتياح جميع مدن الضفة الغربية.
في ساعات فجر يوم الأحد ١٣ -٣-٢٠٠٢ جرى اجتياح مدينة قلقيلية، وفي اليوم التالي اجتيحت مدينة طولكرم، وفي الثاني من
نيسان من العام ذاته اجتاحت قوات الاحتلال بيت لحم، فيما اجتاحت سلفيت وجنين ونابلس في اليوم الذي يليه، وارتكب الاحتلال
خلال الاجتياحات العديد من المجازر بحق المدنيين، أبرزها: مجزرة مخيم جنين، الذي صمد لأكثر من أسبوعين في وجه آلة
القتل والخراب الإسرائيلية، ودمر الاحتلال البنى التحتية وقطع أوصال المدن والمناطق الجغرافية بالحواجز والسواتر الترابية،
التي زاد عددها عن ٦٠٠ حاجز، ووصلت أعداد الشهداء إلى المئات والجرحى إلى الآلاف، ودمرت مئات المنازل والمنشآت
والمركبات.
وكان من أشد نتائجها خرابا، بناء جدار الفصل العنصري، الذي يبلغ طوله ٧٢٨كم، ويلتهم ٢٣% من أراضي الضفة الغربية،
خاصة في مناطق جنين وقلقيلية وسلفيت والقدس، ويفصل ٣٦ قرية “٧٢٠٠٠” مواطن عن أراضيهم الزراعية، ويقسم الضفة
الغربية الى كنتونات منفصلة، وضم ١١ قرية فلسطينية “٢٦ ألف نسمة” الى أراضي الـ٤٨، إضافة إلى حرمان الفلسطينيين من
٥٠ بئر مياه جوفي توفر ٧ملايين متر مكعب من المياه تقع ضمن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها
فى الذكرى ال٢١ على “انتفاضة الأقصى’