إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع السرقة والمال العام، وإذا ضاعت الأمانة سفكت الدماء، وانتهكت الأعراض، وأكلت أموال المسلمين بالباطل، وأعظم ما تكون به خيانة الأمانات إذا كانت خيانة لله ورسوله ولمصلحة المسلمين، فقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا آماناتكم وأنتم تعلمون” وقد نزلت هذه الآية في أحد الصحابة، قد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا، فقصر فيه، وهكذا تضيع الأمانة من قبل من وكلت إليهم المسؤوليات والمشاريع، فإذا هم خونة للأمانة، وغششه للراعي والرعية، وهذا من أعظم الذنوب، ونجد الأمانة في تنظم شئون الحياة كلها، من عقيدة وعبادة وأدب ومعاملة، وتكافل اجتماعي، وخلق كريم.
والأمانة بهذا المعنى وهذه الحدود سر سعادة الأمم، ويوم كانت أمتنا من أصدق الشعوب والأمم في حمل هذه الأمانة والوفاء بها كانت أمتنا خير أمة أخرجت للناس، استدان ابن لعمر بن الخطاب من أبى موسى الأشعري رضي الله عنهما حين كان واليا على الكوفة أموالا من خزينة الدولة ليتاجر بها على أن يردها بعد ذلك كاملة غير منقوصة، واتجر ولد عمر فربح، فبلغ ذلك عمر فقال له إنك حين اشتريت انقص لك البائعون في الثمن، ولما بعت زاد لك المشترون في الثمن، لأنك ابن أمير المؤمنين، فلا جرم إن كان للمسلمين نصيب فيما ربحت، فقاسمه نصف الربح، واسترد منه القرض، وعنفه على ما فعل، واشتد في العقاب على أبى موسى لأنه أسرف من أموال الأمة.
ما لا يصح أن يقع مثله، فإن الأمانة هي الفريضة التي يتواصى المسلمون برعايتها، ويستعينون بالله على حفظها، كما ورد في الدعاء للمسافر “استودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك” وعن أنس رضي الله عنه قال ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” رواه احمد، بل كان يستعيذ من ضياعها، كما روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول “اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة” وإن الأمانة في نظر الشرع صفة واسعة الدلالة، فهي بإيجاز شعور المرء بمسؤوليته في كل أمر يوكل إليه، وبعض الناس يقصرون فهم الأمانة في أضيق معانيها.
وهو حفظ الودائع، وحقيقتها في دين الله أضخم وأجل، فمن معاني الأمانة وضع الشيء في المكان الجدير به واللائق له فلا اعتبار للمجاملات والمحسوبات والقرابات، انظروا إلى أبى ذر حين قال يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال فضرب يده على منكبي، ثم قال يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها” رواه مسلم، ومن معاني الأمانة هو أن يحرص المرء على أداء واجبه كاملا في العمل المنوط به، وأن يحسن فيه تمام الإحسان ويجتهد على حقوق الناس التي وضعت بين يديه، فكل من كان واليا على شيء خاص أو عام فهو أمين عليه يجب أن يؤدى الأمانة فيه، فالقاضي أمين والأمير أمين ورؤساء الدوائر.
ومديروها والمعلمون والأطباء والمهندسون أمناء يجب عليهم أن يتصرفوا فيما يتعلق بولايتهم بالتي هي أحسن، وفيما ولوا عليه حسبما يستطيعون، أولياء اليتامى وناظروا الأوقاف وأوصياء الوصايا كل هؤلاء أمناء يجب عليهم أن يقوموا بالأمانة بالتي هي أحسن، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به فيقال هذا غدره فلان” وفي رواية يقول صلى الله عليه وسلم ” لكل غادر لواء يرفع له بقدر غدرته، إلا ولا غادر أعظم من أمير عامة” رواه البخارى، ومن معاني الأمانة أيضا أن لا يستغل الرجل منصبه لجر منفعة إلى شخصه أو قرابته، فان التشبع من المال العام جريمة، فقال صلى الله عليه وسلم “من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول” رواه أبو داود.