كتب/شيرين رفعت
يعد مؤشر “البيج ماك” أداة لقياس ما إذا كانت أسعار صرف العملات المختلفة مبالغًا فيها أو مقوَّمة بأقل من قيمتها الحقيقية، ويتم ذلك عن طريق قياس كل عملة مقابل معيار مشترك وهو “سندوتش برجر بيج ماك” الذي تقدمه مطاعم “ماكدونالدز” في معظم دول العالم، حيث يتم إصدار مؤشر “بيج ماك” من قِبل مجلة الإيكونومست منذ عام 1986 لدراسة ما إذا كانت العملات في مستواها “الصحيح”، ويتمتع المؤشر بسجل حافل في التنبؤ بتوجه العملات.
وتتيح أسعار “سندوتش برجر بيج ماك” في مختلف دول العالم إمكانية المقارنة بين عملات العديد من الدول، حيث يعتمد مؤشر “بيج ماك” على نظرية تعادل القوة الشرائية، والتي تنص على أن أسعار الصرف يجب أن تتكيف بحيث تتكلف سعر سلة متطابقة من السلع السعر نفسه في كل مكان حول العالم، وفي حالة مؤشر “بيج ماك” تحتوي سلة المشتريات على عنصر واحد فقط، وهو سندوتش “بيج ماك”.
من السهل حساب التلاعب بأسعار العملات، من خلال قسمة سعر “بيج ماك” في بلد ما على سعر “بيج ماك” في بلد آخر، وذلك باستخدام العملة المحلية لكل دولة، لتحصل على سعر الصرف وفقًا لمؤشر “بيج ماك” ثم مقارنة سعر الصرف هذا مع سعر الصرف الرسمي بين العملتين، ومن ثم سيتضح أي من أسعار صرف العملات محددة بأقل من قيمتها الحقيقية أو مبالغًا فيها، على سبيل المثال، بفرض أن سعر سندوتش “بيج ماك” في الولايات المتحدة يبلغ دولارًا واحدًا، بينما تبلغ تكلفته في منطقة اليورو 2 يورو، سيكون تقييم مؤشر “بيج ماك” لليورو هو 2 يورو مقسومًا على الدولار الأمريكي فيصبح بذلك اليورو يساوى 2 دولار، ثم مقارنة ذلك بسعر صرف اليورو للدولار الأمريكي، فإذا كان سعر اليورو مقابل الدولار الأمريكي هو 1.5، تصبح قيمة اليورو وفقا للمؤشر أقل من قيمته الحقيقية بمقدار 0.5 يورو لكل دولار أمريكي.
وقد قامت وزارة الخزانة الأمريكية بدراسة وتقييم لعملات الشركاء التجاريين، وفقًا لمؤشر “بيج ماك” وأشارت النتائج إلى أن بعض الدول تتلاعب بعملاتها مقارنة بالدولار منذ يوليو 2020، وقد وعدت إدارة “بايدن” باتخاذ “إجراءات صارمة” ضد المتلاعبين بالعملة، وقد أظهرت النتائج أن هناك عددًا من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة عملاتهم مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية.
اليوان الصيني مقابل الدولار الأمريكي:
يبلغ سعر سندوتش “بيج ماك” في الصين 22.40 يوان صيني و5.65 دولارات أمريكية في الولايات المتحدة، ومن ثم يكون سعر الصرف وفقًا لمؤشر “بيج ماك” هو 3.96 بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 6.48 بما يشير إلى أن اليوان الصيني مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 38.8٪.
ويُعرِّف الاقتصاديون التلاعب، بأنه شراء الدولة التي لديها فائض تجاري إجمالي كبير لعملة أجنبية -غالبًا دولارات- لمنع عملتها من الارتفاع في القيمة؛ لأن العملة الأضعف تمنح دولها ميزة.
ومن الناحية القانونية، يحدد قانون إنفاذ التجارة لعام 2015 ثلاثة معايير يجب على الدولة استيفاؤها ليتم تصنيفها على أنها متلاعبة؛ وهي: فائض ثنائي مع الولايات المتحدة، وفائض إجمالي في الحساب الجاري، وتدخل أحادي الجانب في سوق الصرف الأجنبي؛ للسيطرة على قيمة عملة، وقد خلص أحدث تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية إلى أن الصين استوفت معيار الفائض الثنائي فقط، ومن ثم، فعلى الرغم من تداول فكرة تلاعب الصين بعملتها فإن الولايات المتحدة لم تستطع إثبات ذلك التلاعب.
البات التايلاندى مقابل الدولار الأمريكي :
تبلغ تكلفة سندوتش “بيج ماك” في تايلاند 128 بات و5.65 دولارات أمريكية في الولايات المتحدة، ويبلغ سعر الصرف وفقًا لمؤشر “بيج ماك” 22.65 بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 32.81، أي أن البات التايلندي مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 31٪.
ولكن النظرة التحليلية تشير إلى أن سعر البات قد انخفض بالفعل إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار بسبب عدة عوامل؛ منها: أزمات الديون والتضخم، بالإضافة إلى الانكماش الاقتصادي نتيجة الوباء، وتراجع السياحة الأجنبية التي تضخ الأموال في الاقتصاد؛ بسبب عمليات الإغلاق، فقد تآكلت قيمة البات مرات عديدة، وأصبح البات التايلندي هو الأسوأ أداءً بين عملات جنوب شرق آسيا المتداولة خلال الربع الأول من عام 2021.
البيزو المكسيكي مقابل الدولار الأمريكي:
يبلغ سعر سندوتش “بيج ماك” 64 بيزو في المكسيك و5.65 دولارات أمريكية في الولايات المتحدة، ومن ثم فسعر الصرف وفقًا لمؤشر “بيج ماك” هو 11.33 بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 20.14 وهو ما يشير إلى أن البيزو المكسيكي مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 43.7٪، ويرجع هذا الانخفاض إلى عدة عوامل، منها: أن تكاليف العمالة في المكسيك أقل بكثير مما هي عليه في الولايات المتحدة، وكذلك تكاليف المدخلات الأخرى أرخص في المكسيك.
الدونج الفيتنامي مقابل الدولار الأمريكي:
تبلغ تكلفة “بيج ماك” 69 ألف دونج في فيتنام و5.65 دولارات أمريكية في الولايات المتحدة، ويبلغ سعر الصرف بناء على مؤشر “بيج ماك” 12212.39 بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 23028.50 بما يشير إلى أن الدونج الفيتنامي مقوم بأقل من قيمته بنسبة 47٪.
وقد تم اتهام فيتنام بالتلاعب بسعر العملة، وهي مدرجة بالفعل على قائمة مراقبة واشنطن للمتلاعبين بالعملة، ليس فقط بسبب مؤشر “بيج ماك” ولكن أيضًا بسبب تحقيقها فائضًا سلعيًّا ضخمًا مع الولايات المتحدة، وتدخلها في أسواق الصرف الأجنبي، وفي هذا الصدد صرحت وزارة الخزانة الأمريكية بأن فيتنام قامت بمشتريات حكومية من العملات الأجنبية بقيمة 22 مليار دولار في عام 2019، من خلال بنك الدولة الفيتنامي؛ مما أدى إلى تخفيض سعر الصرف الفعلي الحقيقي لفيتنام بنسبة من 3.5٪ إلى 4.8٪.
ختامًا: يُعد مؤشر “بيج ماك” أحد الجهود الحثيثة التي تحاول كشف تلاعب الدول بعملاتها المحلية، وقد استطاعت هذه الجهود بالفعل توجيه أصابع الاتهام تجاه العديد من الدول، ويبدو أن الأمر لن يتوقف على مجرد الاتهام؛ حيث وعدت إدارة “بايدن”، باتخاذ “إجراءات صارمة” ضد المتلاعبين بالعملات، وبالتالي يجب على الدول المتلاعبة بالعملات إعادة حساباتها مرة أخرى، ومقارنة الفائدة التي تحصل عليها من التلاعب بالعملات بحجم الخسائر التي ستسببها العقوبات الأمريكية والدولية.