دكتور / سامح بدوي
دكتور اه في المناهج وطرق التدريس ، باحث وخبير تربوي
لعل الآثار المترتبة عن انقطاع الدراسة لأكثر من (1.6 مليار) طفل وشاب حول العالم لم تكن متوقعة لدى العديد من المعلمين
والمهتمين بالتطور الأكاديمي للطلاب ، حيث لوحظ تدهورا في العديد من قدرات ومهارات الطلاب ؛ فالمعرفة تتراكم وتكتسب
بصورة دورية في حلقات متصلة داخل البناء المعرفي والمفاهيمي في عقل المتعلم اعتمادا على التدريب والممارسة المستمرة ،
وفي حالة اختل هذا التدرج المعرفي في العقل ، تبدأ المعارف والمفاهيم تتلاشي وتفقد بقائها في البنية المعرفية للمتعلم،
ومن ثمّ يتراجع مستواه المعرفي والأكاديمي ، وهذا ما حدث لدى معظم طلاب الصفوف الأولية وطلاب الصفوف العليا
في المرحلة الابتدائية ، فعودتهم كانت بلا مهارات أساسية فهم أقرب إلى الأمية المبطنة – مهارات فك الشفرة – ،
أما في باقي السنوات الدراسية في المراحل العليا _الإعدادية ، والثانوية والجامعات_ فنجد الخلل في مخرجات التعلم .
فاستئصال ما يقارب العامين من العمر الأكاديمي للمتعلم يعني وصول طلاب للمرحلة الجامعية بخبرات ومهارات المرحلة
المتوسطة ، ودخول شباب سوق العمل بخبرات المرحلة الثانوية بلا قاعدة عريضة من المعرفة النظرية والعملية ،
وذلك في الوقت الذي كنا نتطلع فيه إلى تمكين الطلاب من مهارات ما وراء المعرفة والانطلاق نحو مهارات التفكير العليا
فلم لم يعد ممكنا بل أصبح خياليا .
فالتعلم بعد كورونا تراجع لعدة عقود مما دعا الكثير من الأكاديميين حول العالم لتبني شعارا “أعيدوا فتح المدارس ليس لدينا
وقت لنخسره” ، وهرول وزراء التعليم خلف رواد المؤسسات الطبية لعلهم يتيقنوا أن آثار -تسوماني – الفقد الأكاديمي تفوق
أو توازي الآثار الوبائية والصحية لأبناء هذا الجيل .
هذا لم تنحصر مشكلات الطلاب في النواحي المعرفية فحسب،بل قفزت نحو العديد من المشكلات الاجتماعية والسلوكية فالذهاب
إلى المؤسسات التعليمية يعني البناء السلوكي والاجتماعي لأشخاص سوف تنخرط اجتماعيا مع فئات مختلفة من البشر ،
فالمدرسة كما تعزز المعرفة تبني أفراد المجتمع سلوكيا لمواجهة العالم الخارجي، وتأهلهم للتعامل مع الأقران وتكسبهم العديد
من المهارات اللغوية والاجتماعية والسلوكية ، وتخفف عنهم آثار الكبت المكاني (المنزلي) ، وتكسبهم ثقافة الاختلاف
وماهية الدفاع عن الرأي و الجسد ، وغير ذلك من المهارات والأنماط التي لا تقل أهمية عن التحصيل المعرفي والأكاديمي .
فالمدرسة دورها جنبا إلى جنب مع الأسرة ؛ لذا وجب علينا أن نعود سريعا إليها ونمكنها من دورها الحقيقي الذي اختزلته العديد
من التحديات في الوقت الراهن كما في (كورونا) ، والكثافات المرتفعة وعجز الأبنية والمعامل والملاعب والمعلمين ،
نحتاج أن تطفو المدرسة على السطح بشكلها النمطي الكلاسيكي ، نحتاج أن نرى الطلاب تصطف في طابور الصباح تتزاحم
وحتى تتضارب ، نطمح بعودة الفعاليات التي تبني شخصية المتعلم ، نحتاج حصص التربية الرياضية ومعمل التشريح والتجارب
المختلفة ، والأنشطة والمسابقات والخطابة واتحاد الطلاب ومجالس الفصول .. …..، نحلم بالحراك المدرسي الذي بنى وطور
العديد من الشخصيات ، فقادة اليوم تربوا في مدارس الأمس نحتاج عودة حقيقية لا عودة على استحياء .
تعليم ما بعد كورونا