الأخبارفن وثقافة

منطقة أبو مينا الأثرية

بقلم: إبرام عبدالرجال ذكي منطقة أبو مينا الأثرية
شفاء ابنة ملك القسطنطينية من الجذام والعثور على جسد مار مينا :
ذاع خبر المكان حتى صار ينبوع بركة وإستشفاء لكل داء. واشتهر حتى بلغ أقاصي الأرض .

وسمع به ملك القسطنطينية وكانت له أبنه وحيدة مصابة بمرض الجذام ، فأرسلها مع حاشيتها الى مصر لتنال الشفاء .
وصلت الأميرة إلى مريوط ، وأخذت من التراب وبللته بالماء ووضعته على جسدها ، وقضت ليلتها في ذلك المكان ،
فظهر لها القديس وعرفها بنفسه وطلب منها أن تحفر في هذا المكان فستجد جسده ,
ولما استيقظت وجدت أنها قد شفيت تماما .

فاستدعت الجند وأمرتهم بحفر المكان ، فعثرت على جسد القديس

فأرسلت إلى والدها تخبره , ففرح كثيرا وبنى مزارا فوق القبر ( كنيسة صغيرة ) .

كنيسة الأنبا اثناسيوس الرسولى

التمس أهالي الإسكندرية ومنطقة مريوط من القديس ” أثناسيوس الرسولى البطريريك العشرين ” بناء كنيسة كبيرة تسع الزائرين .

فلم يتمكن البابا اثناسيوس – بسبب ما تعرض له من اضطهاد الحكام الأريوسيين – من بناء الكنيسة الا في عهد الإمبراطور ” جوفيان ” ( 363 – 364 م ) .
وقد شيدت الكنيسة غاية في الجمال وزينت بالرخام الثمين ، وأقيم أسفلها سردابا ليوضع فيه رفات القديس ، وكرست الكنيسة

بحضور مجمعا من أساقفة مصر وكان ذلك في اليوم الأول من شعر أبيب حوالى عام 373 م .

كنيسة الأنبا ثاؤفيلس بمريوط

بعد مرور عدة سنوات أى فى حكم الملكين ” أركاديوس ، وانوريوس ” ابنى الملك ” ثيؤدوسيوس الكبير ”
توجه البابا ثاؤفيلس الثالث والعشرون ( 385 – 412 م ) للأحتفال بعيد الشهيد مار مينا يوم 15 هاتور، فرأى

ما تعانيه أعداد الزائرين الغفيرة من المشقة بسبب الزحام حيث ضاقت بهم الكنيسة ، واضطرار الكثيرين الوقوف خارجها .
فكتب الى الملك اركاديوس . فأمر الملك ببناء كنيسة فسيحة وجعلها واحدة مع الكنيسة التى بناها القديس اثناسيوس ،
وعندما أكملها البابا ثاؤفيلس ، جمع مجمعا من الأساقفة وأراخنة مصر وكرسوها بالمجد والكرامة ، فى يوم 15 بؤؤنة .
اتم تزيينها البابا تيموثاوس السادس عشر ( 458 – 480 م ) وبنى معمودية كبيرة فى الطرف الغربى منها .

تأسيس مدينة القديس مينا

قام الملك زينون ( 474 – 491 م ) المحب للمسيح بزيارة هذه الكنائس وتبارك من جسد الشهيد ، وبنى لنفسه قصرا عظيما بجوار الكنيسة .
أخبر البابا تيموثاوس الثانى البطريرك السادس والعشرون ، الملك زينون عن البربر الذين يغيرون على مريوط ويسببون متاعب للكنيسة ،

عندئذ أمر الملك كل العظماء فى المملكة أن يبنى كل منهم قصرا هناك ، وكتب لأراخنة الأسكندرية والذين فى مصر أنه ينبغى على

كل واحد منهم ان يبنى لنفسه مكانا هنا ، الى أن جعلوها مدينة وسميت Martyroupolis أى مدينة الشهيد

ووفد اليها جموع كثيرة وأقاموا هناك  واعد الملك زينون حامية من 1200 جندى لحراستها من البربر .

خدمات الطريق للزائرين

كانت بحيرة مريوط طريقا ملاحيا للسفن وتتصل بالفرع الكانوبى للنيل بواسطة قناة تسمى قناة نواقراطس ,
وكان الزوار القاصدون كنيسة الشهيد مينا سواء القادمين من الإسكندرية أو من بلاد الدلتا ، يصلون بالمراكب

الى الشاطئ الغربى لبحيرة مريوط ، ثم يتوجهون برا الى الكنيسة .
فى عهد الملك أناسطاسيوس ( 491 – 518 م ) أدرك الحاكم فيلوكسينيتى الصعوبات التى تواجه الجموع الكثيرة

فى الطريق الذى يخترق المنطقة الصحراوية ما بين البحيرة والكنيسة ، فأنشا بجانب البحيرة منازلا لأضافة الزوار

واستراحات لاستقبال الجموع ، وفى وسطها سوق لشراء احتياجاتهم ومخازن متسعة لإيداع أمتعتهم فيها ، وأطلق اسمه على هذه المنطقة
وعلى طول الطريق من البحيرة للكنيسة أقام استراحات للمسافرين ، مزودة بجرار بها ماء للشرب ، وهكذا كبرت المدينة وعظمت جدا .

بازدياد عدد المرضى الوافدين للاستشفاء أقيمت فيها الحمامات الضخمة ، وكانت تصل إليها المياه عن طريق قناة طويلة تغذى

مجموعة كبيرة من الأحواض والحمامات ، كما أعدت أفران كبيرة تحت الأرض لتدفئة هذه الحمامات ، ونسق المكان بحيث

يكفل راحة الزائرين الآتيين من اقاصى الأرض يتلمسون البركة .

شيدت كنيسة خاصة أيضا بجوارها من الجهة الشمالية وامتلأت المدينة بالمرافق الحية والأسواق والمصانع

المتنوعة للزجاج والأواني الخزفية وهكذا تحولت إلى مدينة عظيمة تملاها القصور الرخامية والحمامات الشافية ..

شهرة القديس والمدينة

كان المرضى يأتون من كل مكان فى العالم ليستشفوا بشفاعة القديس مارمينا ، وكان يصنع بالمنطقة قوارير صغيرة

من الفخار تملا من زيت القنديل المعلق فوق جسد الشهيد او من ماء نبع موجود بالقرب من قبر الشهيد ، بأخذها الزائرون لبلادهم للبركة والشفاء .
مما يدل على أتساع شهرة القديس ان هذه الاوانى وجدت فى بلاد عديدة مثل كولونيا وهيدلبرج بالمانيا ، ومرسيليا بفرنسا

ودلماتيا بيغوسلافيا ، ويلانو بايطاليا ، ووجدت ايضا فى انجلترا ، وفى مدينة دنجلة بالسودان وكذلك فى ميدنة الخرطوم .
كانت هذه القوارير تحمل على جانبها صورة الشهيد مارمينا وعند قدميه الحيوانات البحرية ،، وبعضها كان ينقش عليها صلبان أم اسم الرب يسوع .
ويوجد بالمتحف القبطي بالقاهرة واليوناني بالإسكندرية مجموعة كبيرة من هذه القوارير .
تعد الفترة ما بين القرنين الخامس والسابع الميلادى بمثابة العصر الذهبي لحجاج كنيسة ومدينة القديس مينا .
لقد كانت المدينة هي المكان الثاني للحج بعد القدس .

تطورات منطقة القبر حتى القرن العاشر وانخفاض عدد الزائرين

ظلت المنطقة تتمتع بحياة هادئة عدة قرون ولم يحدث تغيير جذري إلا عند قيام الفرس بغزو البلاد ( 619 م )
ثم نتيجة للفتح العربي بالدرجة الأولى ( 639 – 641 م ) ..
فالزوار الوافدين من المنطقة البيزنطية والمنطقة الرومانية السابقة باتوا من رعايا البلاد الأجنبية المعادية

لذا توقف حضورهم أو أصبحوا يأتون بأعداد قليلة ، وترت على ذلك حرمان الكنيسة من مصدر هام للدخل .

وهناك احتمال أن عدد سكان المدينة قد تأثر بما حدث في القرن السادس إذ قاست كل منطقة مريوط

من وباء الطاعون ، ومن زلزال لابد أنه دمر العديد من المباني وأصاب البشر .
ويذكر واليس بادج : ” انه قرب نهاية حكم الامبراطور هرقل بدا ازدهار المدينة يقل ،، ونقص عدد الحجاج الذين كانوا يأتون للتبرك من مزار القديس مينا .
وخلال سنى الاضطرابات التى حدثت قبيل الفتح العربى وبعده نهبت الكنيسة وسلبت المدينة ثم خربت .
ولكن عندما بدا الاقباط يستعيدون نفوذهم وقوتهم ،
بنيت كنيسة أخرى مكان القديمة وأعيد الاحتفال بعيد القديس ”

وارد بيركنز Ward Perkins

والعلامة وارد بيركنز Ward Perkins بعد أن يصف ازدهار المنطقة يقول : ” وما كان القرن الخامس يصل منتهاه حتى

انتهت معه فترة النمو والازدهار إذ خلال القرنين التاليين لا نجد إلا إشارات قليلة عن المنطقة .
وبسبب ضعف الحكم البيزنطي والفتح العربي لمصر عام 640 م ،
فرغم أن منطقة القديس مينا لم يصبها بطش أو عنف ، لكن حالة الاضطراب والخوف وزعزعة الأمان والاستقرار أثرت

تأثيرا شديدا على مواسم الزيارة ، فقل عدد الزائرين وقل الدخل تبعا لذلك ..
وأن ما حل بالكنيسة ( القبطية عامة ) من فقر كان نتيجة لانقطاع الزائرين عن زيارة الشهيد القديس مينا ، الى جانب الحروب المتتالية ”

هذا وقد ورد بكتاب تاريخ البطاركة صراحة في سيرة البابا يعقوب البطريرك الخمسون ( 819 – 730 م )
اى بعد الفتح العربي لمصر بحوالى قرنين من الزمان ، أنه عندما شدد عليه أحد الامراء فى طلب الخراج ، لم يكن معه ما يدفع

كما ذكرنا من عدم البيعة لانقطاع الناس عن الحضور لبيعة القديس الشهيد مار مينا لكثرة الحروب ”

وكان ذلك بسبب القلاقل التي تعرضت لها البلاد بوجه عام ، ومنطقة الإسكندرية ومريوط بوجه خاص ، فذكر كتاب

تاريخ البطاركة أنه فى عهد البابا مرقس الثالث البطريرك التاسع والأربعون ( 799 – 819 م ) كان هناك قبيلتين أخذوا غربي مصر

وأعمال الإسكندرية ومريوط وملكوا البحيرة جميعها ، وكانت هاتان القبيلتان فى أكثر الأوقات متحاربتين ، ونهب بعضهم بعضا

وكان على البلاد منهما بلاء عظيم .

زيارة البابا بنيامين

غادر البابا بنيامين البطريرك الثامن والثلاثين ( 622 – 661 م ) الإسكندرية بناء على إعلان سماوي هربا من وجه قيرش – المقوقس – الخلقيدونى

الذى عينه الإمبراطور هرقل بطريركا وواليا على مصر .
وعندما خرج من الإسكندرية توجه إلى مريوط ثم الى الصعيد ويذكر العلامة د. الفريد .ج. بتلر : ” ولا شك أن البطريرك

دخل يصلى فى الكنيسة العظمى بها ( أي بكنيسة القديس مينا ) واستراح قليلا ثم مضى في سبيله إلى جبل اسمه برنوج ”

اختيار البطريرك من هذه الكنيسة

كان البابا مينا البطريرك السابع والاربعين فد عين القس يوحنا وهو راهب من رهبان برية شيهيت مسئولا عن كنيسة القديس

مينا بمريوط ، لوما تنيح هذا البابا اجتمع الاباء الاساقفة ليختاروا خليفة له فكتبوا أسماء عدة أشخاص ليختاروا أحدهم بالقرعة

فذكر أحد كهنة الأسكندرية الأتقياء هذا القس ، فكتبوا اسمه وأجروا القرعة ثلاث مرات ، فكان يخرج اسمه فى كل مرة

فاختاروه لهذا المنصب ، وهو البابا يوحنا البطريرك الثامن والاربعون ( 775 – 799 م ) .
والجدير بالإشارة أن الدارسين يرجحون أن يكون هذا الأب هو الذي كتب سيرة الشهيد العظيم مينا والتي عثر على

نسخة لها ضمن المخطوطات المعروفة باسم الحامولي ، وهذا المخطوط هو المرجع القبطي الأساسي لسير هذا الشهيد ولتاريخ منطقة القبر .

سيامة أسقفين فى هذه الكنيسة

يذكر كتاب تاريخ البطاركة عن البابا مرقس الثالث البطريرك التاسع والأربعين ( 799 – 819 ) أنه :
” لم يكن يتخلى هذا الأب القديس عن الأهتمام بالبيع المقدسة بالاسكندرية والبطريركية وبيعة الشهيد أبى مينا بمريوط .
ومن أدلة اهتمامه بكنيسة القديس مينا بمريوط أنه قام برسامة اسقفين فى هذه الكنيسة وفى عيد الشهيد أى فى اليوم الخامس عشر من هاتور .
ففى ايام هذا الأب كان ما يزال يوجد بعض من ينتمون الى طائفة الهراطقة التى تسمى بارسنوفة أو ” من ليس لهم رأس ”
وكان يصلى من أجل خلاص نفوسهم ، فقبل الرب صلاته وحول قلبى رئيسي تلك ا لطائفة ، وهما مقدمها واسمه

ابراهيم وأوبه جرجه أسقفها ، فتوجها الى الأب البطريرك الأنبا مرقس وأعلنا له ندمهما وطلبا منه أن يعتبرهما

من رعيته وأولاده ، ففرح بهما ، ولكى يجربهما عرفهما أنهما لن يكونا فى رتبتهما التى كانا عليها فى

طائفتهما لأن سيامتهما ليست من الروح القدس
فأجاباه بأنهما لا يريدان ألا ان يسأل الرب أن يغفر لهما ما كانا ليه من الضلال .
وكتبا أمامه أقرارا بأنهما لا يطلبان منه رتبة الأسقف ولا كهنوت ، فسر بهما البطريرك وبارك عليهما ،
وإذ تحقق من صدقهما قام بسيامتهما أسقفين ، وتمت السيامة في كنيسة الشهيد مينا بمريوط وفى يوم عيده .
وهذا التصرف من الأب البطريرك يعنى أنه يعتبر كنيسة الشهيد بمريوط بمثابة الكنيسة البطريركية التي يسام فيها الاساقفة .

نزع الرخام عن الكنيسة

فى عام 833 م قرر الخليفة المعتصم أن يبنى عاصمته الجديدة ، فأرسل مندوبين إلى

البلاد البعيدة ليجمعوا الأعمدة الرخامية ومواد البناء الثمينة .
أرسل إلى مصر شخصا اسمه العازر ، وكان هذا نسطوريا ، فنزع الأعمدة الرخامية

من كنائس كثيرة بالإسكندرية فتهدمت .
ونزع الرخام الملون من كنيسة الشهيد مار مينا بمريوط .
لما سمع البابا يوساب الأول البطريرك الثاني والخمسين حزن حزنا عظيما ، وأهتم بسرعة إصلاحها إذ

احضر من مصر والإسكندرية ألواح منقوشة ووضعها مكان التي نزعت .

الاستيلاء على أملاك الكنيسة وتوقف الزيارة

في عهد البابا شنودة الأول البطريرك الخامس والخمسين ( 859 – 880 م ) ، قامت مجموعة من الأعراب وفرضوا سلطانهم على كثير من البلاد،

واستولوا على ممتلكات كنيسة الشهيد مار مينا بمريوط .
حاصر هؤلاء القوم مدينة الإسكندرية لزمن طويل ، حتى عم الضيق والكساد ، حتى أن بيعة الشهيد مار مينا بمريوط ، والتى

كانت مسرة جميع شعب مصر الأرثوذكسيين ، قد أمست برية مع أن مزار القديس مار مينا لم يصب بسوء ، إلا أن الزوار انقطعوا عن الحضور بسبب هذه الأحداث .

الكنيسة في القرن الثاني عشر

آخر إشارة تاريخية عن وجود جسد القديس بهذه المنطقة هو ما ذكر فى الكتاب المنسوب لأبو صالح الأرمنى ( 1177 – 1204 م )

إذ يقول في حديثه عن منطقة مريوط : ” بيعة الشهيد ابو مينا ذو الثلاث أكاليل وجسده مدفونا بها .. ولها آيات وعجائب كثيرة وتظهر كل حين ، وكان لها أوقاف

وزينتتها أحسن زينة ، وفيها من العمد والرخام الملون قائم ونائم ما لم يشاهد مثله ”
بعدها تعرضت المنطقة للهدم والتدمير ولغارات البدو ، فهجرت تماما ، وبتهدم الكنيسة التي فوق القبر اختفى جسد القديس تحت الأنقاض

وهذا يعنى أنه حتى أوائل القرن الثالث عشر لم تكن الكنيسة قد تهدمت ولا اختفى الجسد ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
مرحباً بكم في الإخبارية عاجل هل ترغب في تلقي إشعارات بآخر الأخبار؟ لا نعم