دين ومجتمع

إياكم والتخوض فى مال الله “الجزء الثامن”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع إياكم والتخوض فى مال الله، ومن الأسباب المعينة على المحافظة على المال العام، هو أن يكون اختيار من يتولون المناصب العامة قائما على الأمانة والعفة وحسن الخلق بالإضافة إلى الكفاءة، وأيضا مساءلة الولاة ومحاسبتهم عن أسباب تضخم ثرواتهم، وتشديد العقوبة عليهم إن ثبتت سرقتهم وتربحهم، واستغلال نفوذهم، وقد سأل عمر رضي الله عنه أبا هريرة رضى الله عنه واليه على البحرين من أين اجتمعت له عشرة آلاف درهم؟ فأجاب أبو هريرة رضى الله عنه خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، وسهامي تلاحقت، فأمر بها عمر فقبضت، وأن يكون المجتمع واعيا لحقوقه مدركا لمسئولياته والتي منها محاسبة المسئولين والأخذ على أيديهم.

فحماية المال العام نحن مخاطبون بحراسته والمحافظة عليه، ولا يعفى في هذا أحد، وأن يفرض لمن يتولون مناصب الدولة، ويقومون على رعايتها والحفاظ على مواردها، ومقدراتها رواتب تكفيهم، وتغنيهم عن التطلع إلى أموال الدولة، والتحايل في أخذها، فقولوا لمن يستخدم الأموال العامة في قضاء مصالحه الخاصة اتقى الله فإنه لا يجوز لك ومن يستخدم السيارة التي أعطيت له من قبل العمل لقضاء مصالح العمل في قضاء مصالحه الخاصة، ومن يستخدم موظفا يأخذ راتبه من قبل جهة العمل لقضاء حاجاته الخاصة فيستخدم سائق المصلحة على سبيل المثال في توصيل الأولاد إلى المدارس والعودة بهم، أو في شراء احتياجات البيت من السوق.

واستمع لتطبيق السلف لمبدأ الورع عن المال العام فهذا عمر بن عبد العزيز جاءه أحد الولاة وأخذ يحدثه عن أمور المسلمين وكان الوقت ليلا، وكانوا يستضيئون بشمعة بينهما، فلما انتهى الوالي من الحديث عن أمور المسلمين وبدأ يسأل عمر عن أحواله قال له عمر انتظر، فأطفأ الشمعة وقال له الآن اسأل ما بدا لك، فتعجب الوالي وقال يا أمير المؤمنين لم أطفأت الشمعة؟ فقال عمر كنت تسألني عن أحوال المسلمين وكنت أستضيء بنورهم، وأما الآن فتسألني عن حالي فكيف أخبرك عنه على ضوء من مال المسلمين؟ وجاءوا له يوما بزكاة المسك فوضع يده على أنفه حتى لا يشتم رائحته ورعا عن المال العام فقالوا يا أمير المؤمنين إنما هي رائحة فقال وهل يستفاد منه إلا برائحته؟

فأين من نظر للمال العام بأنه غنيمة باردة فأخذ ينهب منها بغير حساب؟ فإن الله تعالى أنزل المال في الأرض ليكون قياما للناس في دينهم ودنياهم، وقد حفظه عليهم، فحرّم الاعتداء عليه بكل طريق، فقال سبحانه وتعالى فى سورة النساء “يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضى منكم” حتى أوجب قطع اليد في بعض مراتبه فقال تعالى فى سورة المائدة “والسارق والسارقه فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم” وقال النبي صلى الله عليه وسلم “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه” وسواء كان هذا المال خاصا أو عاما وهو ما يسمى بالمال العام الذي وكل حفظه إلى وليّ الأمر أو غيره من وزير أو خازن.

أو مدير أو محاسب وما دون ذلك، ولا يشك مسلم ولا عاقل في جرم السرقة وتحريمها في شرائع الناس كلهم، مهما قل قدرها وخفيت سبيلها، نقودا أو منافع، منقولات أو عقارات، وقد حرّم الإسلام السرقة، وحذر من ضررها في الدنيا والآخرة، فإن “الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات” فخذوا ما أباح الله لكم من الاموال واتقوا الحرام، فإن لله من الله طالبا، وما اشتبه عليكم فاجتنبوه يسلم دينكم وأعراضكم، وليعلم السارق لغير حقه أنه لن يزيد بسرقته في رزقه فلسا واحدا، ولو صبر السارق ساعة واسترزق بما أباح الله لأتاه ما سرقه من طريق مباح مبارك، فإن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له في بطن أمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
مرحباً بكم في الإخبارية عاجل هل ترغب في تلقي إشعارات بآخر الأخبار؟ لا نعم