متابعة / عبير دريعي
- جولة جديدة من المحادثات مع صندوق النقد الدولي فتحتها تونس اليوم الأربعاء، بغرض الحصول على خط تمويل بقيمة 4 مليارات دولار على مدار أربع سنوات، وسط مخاوف جدية من فشل المفاوضات في ظل معوقات داخلية وخارجية.
ومما يُذكر أنه قد رفع الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) الفيتو أمام عدد من بنود وثيقة الإصلاحات التي ستتفاوض على قاعدتها السلطات التونسية مع صندوق النقد الدولي، وفي مقدمتها تجميد الأجور في الوظيفة العمومية مدة خمس سنوات متتالية ورفع الدعم عن المواد الأساسية.
ولقد صرّح الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل صباح اليوم، بأن للاتحاد شروط فيما يتعلق بالمفاوضات مع الصندوق، ومنها أن “يكون برنامج الإصلاحات تونسيا خالصا لا مسقطا من الخارج”.
مع العلم أن قد اشترط صندوق النقد الدولي موافقة الأطراف الاجتماعية ومنها اتحاد الشغل على وثيقة الإصلاحات للمضي قدما في المفاوضات.
وتلك المحادثات تتزامت مع تصريحات خارجية، وصفها البعض بأنها ابتزاز لتونس ومؤشر مقلق سيؤثر سلبا على مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، آخرها تصريح ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الذي أشار فيه إلى إمكانية تعليق المساعدات المالية المقدمة إلى تونس من الاتحاد الأوروبي.
و مما يهو جدير بالذكر أن الحكومة التونسية تحتاج إلى اعتمادات مالية إضافية بقيمة 20 مليار دينار لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2022، وتُعول في تجميعها على الحصول على قروض من الخارج بقيمة 12.6 مليار دينار، بناء على فرضية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في مارس/ آذار المقبل.
ولقد رأى الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان في حديثه لـ “سبوتنيك”، أنه من الصعب أن تؤدي المحادثات التي تجريها تونس حاليا مع صندوق النقد الدولي إلى اتفاق .
حيث صرح بأن تونس دخلت هذه المفاوضات بمصداقية مهزوزة جداً، مضيفاً “أنه يجب ألا ننسى أن تونس توجهت إلى صندوق النقد الدولي سنة 2013 وتقدمت ببرنامج إصلاحات لم تلتزم به، فعوقبت بحرمانها من القسط الأخير من القرض.
وقد عاودت الكَرة سنة 2016 ثم سنة 2017 رغم أن برنامج الإصلاحات كان موقعا آنذاك من رئيس الحكومة، فعوقبت أيضا بإلغاء قسط بقيمة 1.2 مليار دولار من أصل 2.7 مليار دولار”.
و الحديث مازال لسعيدان حيث قال إن الحكومة التونسية تقدمت في أبريل المنقضي بطلب إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليار دولار، لكنه قوبل برفض قاطع من الإتحاد العام التونسي للشعل، وهو ما دفع الصندوق هذه المرة إلى اشتراط وجود توافق داخلي بين الحكومة واتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة.
وما زال الحديث لسعيدان حيث أضاف أنه “يبدو أن هذا التوافق حاليا بعيد المنال، خاصة وأن الاتحاد رفع الفيتو أمام ثلاث إصلاحات رئيسية تتعلق بخفض كتلة الأجور ورفع الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية”.
ومما يُذكر أنه تساءل سعيدان “من أين ستوفر تونس الاعتمادات المالية لموازنة الدولة لسنة 2022 وهي التي عولت على اقتراض ما يزيد عن 12 مليار دينار من الخارج في غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى حد الآن في ظل ضعف قدرة السوق الداخلية التي لا تتجاوز 2.5 مليار دينار سنويا؟”.
ويرى سعيدان أن تصريحات ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، الذي لوح قبل يومين بقطع المساعدات المالية الموجهة مباشرة إلى ميزانية الدولة التونسية ستؤثر على مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وأعرب عن عدم تعجبه من تصريح بوريل وقال انه منطقي وغير مستغرب، موضحا “تقاليد الدول أو المؤسسات المانحة على غرار البنك الأوروبي والأفريقي والبنك الدولي تستند على قاعدة منح القروض شريطة الإلتزام بإنفاقها على برامج محددة أو مشاريع اقتصادية وإجتماعية”.
و ما زال الحديث لسعيدان ذكر أن التجربة أثبتت أن تونس تقترض لتمويل عجز موازنتها وسداد ديونها السابقة، مشيرا إلى أن غياب اتفاق قريب مع صندوق النقد الدولي سيؤدي إلى إحجام الأطراف المانحة عن تقديم قروض جديدة إلى تونس.
ويتفق مع سعيدان فيما ذهب إليه الديماسي من أن تونس ستجد صعوبات كبرى في التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، خاصة وأنها التجأت إليه أكثر من مرة دون نتيجة تذكر في الإصلاحات المطلوبة منها.
وفي تصريح لـ “سبوتنيك”، لفت الخبير الاقتصادي جمال الدين عويديدي إلى أن تونس ستجد نفسها أمام مأزق قد يفضي إلى تصعيد اجتماعي حيث أن وصفة الإصلاحات خاطئة .
ورغم أن المحادثات مع صندوق النقد الدولي على أهميتها فإنها لا تبرر الإصطفاف وراء وصفة إصلاحات خاطئة وجهت إليها أسهم الانتقادات من عدة أطراف وحتى من قبل خبراء الصندوق، وفقا لقوله.
وأضاف عويديدي “من الخطأ أن تَمضي هذه الحكومة في التمسك بنفس برنامج الإصلاحات الذي طرح قبل 9 سنوات والذي أدى إلى تدني نسبة النمو على اعتبار أن وصفة الصندوق تشترط تقليص النفقات”.
وأضاف أنه “حتى لو توصلت السلطات التونسية إلى اتفاق مع صندوق النقد، فإن هذا الاتفاق لن يحل الأزمة، على اعتبار أن خط التمويل سيكون بقيمة 4 مليار دولار ستوزع على أربع سنوات، بمعنى أن تونس ستتحصل على مليار دولار في السنة أي ما يعادل 2.9 مليار دينار، في حين أن البلاد تسجل عجزا في ميزانها التجاري بـ 2.4 مليار دينار شهريا”.
و نبه وشدد عويديدي إلى أن تونس يجب أن تقطع مع مسألة البحث عن قروض جديدة من أجل سداد ديون قديمة، وأن تبحث عن آليات لدفع النمو وخلق الثروة عبر القيمة المضافة والقطاعات المنتجة بجميع أنواعها، وفي مقدمتها الفلاحة ومقاومة التصحر الصناعي.
و شدد أيضاً على أن الحلول هي حلول عاجلة وليست آجلة، مشيرا إلى أن المعالجة يجب أن تكون من أصل الداء وليس عن طريق حلول “ترقيعية” تؤجل الأزمة ثم تعيد إنتاجها.