متابعة : نوران سعاده
«كانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة، فهم شرف لمن نسبوا إليه».
كان وقع ما جرى على سحرة فرعون لأمراً خطير. فما إن هالهم ما رأوا من أمور، يعلمون علم اليقين، أنها ليست
ضربا من السحر، حتى أنابوا إلى خالقهم وخروا له سجدا، مشهرين إيمانهم برب موسى وهارون.
وهنا تجلت أبرز مظاهر حكمتهم فى القدرة على التمييز ما بين السحر والمعجزة الإلهية، التى تؤيد رسل الله وتعزز
صدق أنبيائه. ومن ثم، لم يترددوا فى الاعتراف بهزيمتهم أمام ما يتحصن به موسى من مؤازرة ربانية، والإقرار بأنها
مدد من قوة خارقة تتخطى قدرة البشر المحدودة.
ويقول الله تعالى فى الآيتين 46، و47 من سورة الشعراء: «فألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى
وهارون». وتأكيدا لصدق إيمانهم، تبرأ السحرة من الضلال الذى كانوا عليه فيما مضى، طالبين العفو والصفح من ربهم
الغفور؛ حيث ذكر الحق على لسانهم فى الآية 51 من السورة ذاتها: «إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين».
وأرجع المؤرخون إن أصل سحرة فرعون يعود إلى بلدة «أنصنا»؛ وهي مدينة قديمة البناء حسنة البساتين والمتنزهات
كثيرة الثمار غزيرة الخصب والفواكه، وهي المدينة المشهورة بمدينة السحرة، ومنها جلبهم فرعون في يوم الموعد
للقاء نبي الله موسى عليه السلام، وأصبحت حاليًا تدعى «قرية الشيخ عبادة» التابعة لمركز ملوي بمحافظة المنيا.
وقال المقريزي عن بلدة «أنصنا» إنها تأسست على يد أشمون ابن مصريم بن بيصر بن حام بن نوح، أما ياقوت
الحموي فقال عنها إنها مدينة أزلية من نواحي الصعيد على شرقي النيل.
واختلف المؤرخون فى عدد سحرة فرعون فمنهم من قال إنهم كانوا ثمانين ألفًا، ومنهم من قال سبعين ألفًا، ومنهم
من قال إنهم بضعة وثلاثين ألفًا، وآخرون قالوا إنهم تسعة عشر ألفًا، وغيرهم قالوا خمسة عشر ألفًا، واثني عشر ألفًا،
وروي عن ابن عباس إنهم كانوا سبعين رجلًا.